من إكستاسي إلى صبار

عنوان الكتاب وغلافه عنصران جاذبان لاكتشاف محتواه، لكن ماذا لو تزين هذا الغلاف برسومات تعبيرية متصلة بمزيد من الرسومات التجريدية بين دفتي نفس الكتاب؟

ظهرت نوعية كتب الكوميكس والرسومات المصحوبة بالنصوص الأدبية على اختلاف شاكلتها؛ سواء كانت خواطر أدبية أو مقالات صحفية أو نصائح تحفيزية، منذ عدة سنوات ماضية، وحققت إقبالاً ملحوظًا من قِبل القراء، مثل: كتاب “كشكول الرسام” للرسام والفنان التشكيلي المصري الراحل محيى الدين اللباد، والصادر عن دار “الشروق” للنشر والتوزيع، وكتاب “الورقة” للفنان إسلام جاويش، بجزئيه الأول والثاني، الصادر عن دار “تويا” للنشر والتوزيع، وكتاب “فيلم العمر” لنبيل عبد الحميد وإسلام جاويش، والصادر عن دار “دون” للنشر والتوزيع.

كتاب كوميكس “الورقة” للرسام والكاتب إسلام جاويش.

لكن خلال الدورتين الماضيتين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب عامي 2019 و2020، ظهر نوع اَخر مختلف من الكتب الرسومية؛ تتميز باستخدام الـ Graphic ولوني الأبيض والأسود؛ سواء في شكل الصفحة أو الرسومات المستخدمة داخلها، أولها كان كتاب “إكستاسي: 65 يوم” لمؤلفه عبد الهادي العمشان، والصادر لأول مرة خلال عام 2019 عن مكتبة الملك فهد الوطنية، وحقق نجاحًا كبيرًا، خاصة في الخليج والدول العربية، مما جعله يتربع على قائمة الكتب الأكثر مبيعًا ضمن فعاليات الدورة الـ 50 لمعرض القاهرة للكتاب.

«من إكستاسي إلى صبار»: كيف تدمج النصوص والرسومات في الكتب؟ الكُتاب والرسامون والقراء يتحدثون عن ظاهرة الكتب الرسومية المعتمدة على لوني الأبيض والأسود.

وفي العام التالي، ظهر كتابان جديدان شكلاً ومضمونًا؛ خلال فعاليات الدورة الـ 51، متصدران اهتمامات القاريء العربي والمصري أيضًا في الفترة الأخيرة، هما: كتاب “154 طريقة لقول أفتقدك” للكاتبة والروائية المصرية شيرين سامي، وكتاب “صبار” للكاتب المصري والمهندس المعماري فريد عمارة. 

كتاب “154 طريقة لقول أفتقدك” نصوص عاشقة لحبيبها

عطاء “شيرين سامي” الأدبي تنوع خلال السنوات الماضية؛ ما بين المقالات والقصة القصيرة والرواية؛ وصدر لها عدة مؤلفات أدبية ناجحة ولاقت إستحسانًا كبيرًا من قِبل النقاد والقراء سيان؛ هم: “كتاب بنكهة مصر” عن دار “ليلى” للنشر والتوزيع، و”قيد الفراشة” عن دار “نون” للنشر والتوزيع، و”حنة”، و”من ذاق عرف” عن الدار المصرية اللبنانية، ومؤخرًا نشرت كتابها الأحدث 154 طريقة لقول أفتقدك، والذي جاء على شكل كتاب رسومي مدمج بمجموعة من النصوص.. فكان هناك لقاء معها حول فكرته.

في البداية، تصف الكاتبة “شيرين سامي” كتابها الأحدث وكيف جاءت فكرته، فتقول: “هو كتاب كامل جديد خارج إطار المؤلفات الأدبية السابقة لي، مكون من 154 نص رومانسي ترسلها إمرأة عاشقة لحبيبها. وقد اقترح عليَّ الناشر سيف سلماوي فكرة رفقة رسومات مع الخواطر الأدبية، ومن ثمً عرضته على الرسام، لتنسيق الفقرات مع الرسومات بالتعاون مع المصمم، الذي تحمل عبء التعديلات والتغييرات الكثيرة، التي كنت أطلبها لتكون الرسمة معبرة عن النص المصاحب لها كما تخيلته مما صعب المهمة عليه”.

وبسؤال “سامي” عما سر حمسها لنشر كتاب خواطر رسومي هذه المرة، تقول لنّا: “يلجأ الكاتب أحيانًا إلى كتابة النصوص بشكل يومي للحفاظ على لياقته الأدبية، لكن في الحقيقة أنا أحب كتابة النصوص الحرة؛ لأنها تتبع مزاجي أكثر من الكتابة وفقًا لحبكة معينة. لا أتحمس عادة لكتب الخواطر، ربما لأنها تأتي دومًا كمحاولة من الكاتب أن ينشر كل ما خطه قلمه من مراحل حياته المختلفة، ورغم أن كتابة الخواطر أكثر أنماط الكتابة صدقًا، لأنها تعبر عن لحظات ومشاعر حقيقية في حياة الكاتب، إلا ان ربطها بالنشر يفقدها قيمتها العفوية.

أمًا ما حمسني لنشر الكتاب هو تيمة الإفتقاد والشكل الجذاب الذي تخيلته أقرب للقصص الحالمة”.

وتوضح “سامي” عن مراحل التحضير والكتابة: “الكتاب لم يكتب باسترسال مثل كتابة الرواية؛ لأن النصوص كانت تأت فجأة وأنا أقود سيارتي أو أعمل أو أمارس حياتي، فتجعلني أتوقف تمامًا لأكتبها.

وهي كتابة لا تندرج تحت أي تصنيف. عملت على تجميعها بناء على آراء الأصدقاء لأحتفظ بها وأقدمها للنشر بشرط أن يكون بشكل مختلف، ثم كان دور دار الكرمة للنشر التي عرضت عليَّ فكرة الكتاب الرسومي، وأرسلت لي نموذجًا لنص مصحوبًا برسم جمالي”.

ثم تستطرد: “كانت لحظة سعيدة حين رأيت حلم لي يتحقق، والنصوص يتم جمعها بألطف طريقة ممكنة، ثم اختصرتها من بين أكثر من مائتي نص إلى 154 نص حسب اختيار الناشر للرقم”.

أما عن أكثر التعليقات المبهجة بالنسبة لها عن كتابها الجديد، قالت: “يعتبر القراء لكاتب هدية بين صديقة وصديقتها وحبيب وحبيبته وهذا يسعدني.

وأكثر الآراء التي تعجبني هي ما تصف الكتاب بالحلم؛ لأن هذا أيضًا شعوري به”.

تفسر “سامي” سبب اختيار اللونين الأبيض والأسود في الإخراج الفني الداخلي لـ “154 طريقة لقول أفتقدك” فتقول: “أميل إلى البساطة في الكتابة والتصميم، كما أن اللونين الأبيض والأسود يعبران بشكل أفضل عن المشاعر الحالمة.

الأحلام أيضًا عادة تكون بالأبيض والأسود. وأحبّ توجيه الشكر للفنان أحمد عاطف مجاهد، مصمم رسومات الكتاب، فهو فنان حقيقي وله ذوق يتناسب مع حس الكتاب”.

وتنفي “سامي” توجيه لشريحة محددة من القراء: ” لا أميل إلى أن تكون الكتابة خاصة بشريحة بعينها. في النهاية ذائقة القارئ هي ما تحدد هوية قراءته، عادة لا أفكر في نوع معين من القراء. أكتب للجميع ولنفسي قبلهم”.

كتاب “صبار”: كيف تترك الشجرة السوداء إحساس حسن؟

بدأت رحلة المهندس المعماري “فريد عمارة” مع الرسومات ذات لوني الأبيض والأسود، منذ فترة طويلة، قبل صدور باكورة مؤلفاته الأدبية “صبار”؛ حيث يقوم بتصميم رسومات تعبيرية بصحبة نصوص، لاقت شهرة واسعة عَبر صفحات السوشيال ميديا، وأثنى الكثير من رواد مواقع التواصل الإجتماعي على ثراء أفكارها وعمق معانيها.

لذا يختلف الوضع بالنسبة لكتاب “صبار”، الصادر عن دار “الرواق” للنشر والتوزيع، لمؤلفه “عمارة”؛ حيث إن كتابه الرسومي ولد على يد “عمارة” نفسه، فقد كان هو المصمم له؛ بدأ التحضير له منذ عام تقريبًا، بعد اتفاقه مع الناشر هاني عبد الله على الشكل المفترض تقديمه به.

وعن سبب عنونته بـ “صبار”، قال: “هو النبات المفضل لي ولخطيبتي، وأرادت أن يحمل اسم الكتاب إهداءً خاصًا لها، كما كتبت لها إهداءً اَخر في بداية الكتاب”.

وبسؤاله عن اشتراكه في إعداد الإخراج الفني للكتاب، يقول “فريد”: “كنت مسئول عن التنفيذ الشكلي لعناصر الكتاب بالفعل، بالتعاون مع الأشخاص المسئولين عن الطباعة؛ الذين ساهموا في تغيير حجم الكتابة أو بعض درجات الوضوح للون الأسود.

يوضح “عمارة”: “أن الابتعاد عن التلوين واستخدام اللون الأبيض والأسود في الرسم يعد بمثابة تحدي كبير في التعبير عن الأفكار من خلاله، لكنه تحدي لطيف إن يستطيع المرء يقدر وصف وتوصيل إحاسيس مختلفة ومتنوعة ما بين المبهجة والكئيبة والعميقة والخفيفة باستخدام درجة واحدة من اللون الأسود، فالقدرة التعبيرية للعناصر المرسومة تكون قوية، في حين إن الألوان بحد ذاتها مبهجة بدون مجهود كبير، يعني الأصفر الشمس مبهج، الأحمر مخيف، الأسود كئيب، الأبيض نقي، فضلاً عن إني أحب اللون الأبيض والأسود”.

يتابع: “أن إحدى الصفحات يمكن أن تترك انطباعًا حسنًا لدى المتلقي؛ من خلال الرسمة والنص الأدبي المصاحب لها؛ لكن بمجرد إخفاء النص وإلقاء النظر على الصفحة ذاتها من بعيد، يرى رسمة شجرة كئيبة باللون الأسود، موضحًا: “كيف للشجرة الكئيبة السوداء بصحبه بضع كلمات تترك إحساس حسن لدي القارئ المتلقي؟ هنا معناه أن هناك فنّ يولد”..

وبسؤال “عمارة” عما إذا كان قد سبق له نشر رسومات الكتاب من خلال صفحته الخاصة بموقع التواصل الإجتماعي، يوضح: “أن هناك بعض الرسومات والنصوص التي تم نشرها بالفعل سابقًا عَبر صفحات السوشيال ميديا، وهي متواجدة في الصفحات الأولى والأخيرة من الكتاب بعد إجراء بعض التعديلات البسيطة عليها قبل الطباعة، فيما قمت برسم وكتابة ما بينهما خصيصًا للنشر من خلال الكتاب.

يوضح “عمارة”: “ليس كل صفحة منفصلة بذاتها فيما يخص النصوص المكتوبة أو الرسومات، لكن حكاية الكتاب من الأول للاَخر متماسكة”؛ وفي العادة اعتمد على قاعدة مفداها أن (اللي بيتكتب ميترسمش واللي اترسم ميتكتبش)؛ حيث يكملان بعضهما البعض، ولا يكرر نفس المعنى، موصلاً أحاسيس مختلفة بأسلوبه التجريدي”.

وعن مشاريعه المقبلة وعما إذا كان هناك جزءًا ثانيًا للكتاب، يقول: “لا أفضل تكرار نفس التجربة بطرح كتابات خواطر وتأملات مصحوبة برسومات تعبيرية، ولكن أعمل حاليًا على تنفيذ كتاب قصصي جديد، كنت أعمل عليه من قبل صدور كتاب صبار، وسيكون مصحوبًا بأسلوبي التجريدي بشكل خاص وجديد لم يطرح من قبل”.

كيف استقبل القراء الكتب الرسومية؟

بعد انتهاء الدورة الـ 51 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، تعرض المؤلفات والظواهر الأدبية للتقييم القراء والنقاد، لذلك توجهنا إلى الكاتب الصحفي إسلام وهبان، مدير تحرير الإعلام الرقمي لمعرض الكتاب، ومدير ومحرّر مجموعة “نادي القراء المحترفين” الأكثر شهرة على منصة التواصل الإجتماعي “فيسبوك”، عن مدى تفاعل القراء مع الكتب الرسومية.

يقول “وهبان”: “لاحظت تفاعلاً كبيرًا من قِبل القراء فور الإعلان عن تلك الكتب ضمن إصدارات المعرض لهذا العام، خاصة كتاب “154 طريقة لقول أفتقدك” للكاتبة شيرين سامي، ويعود لستايل غلاف الكتاب المختلف، واحتوائه على رسومات جديدة ونصوص أدبية قيمة وغير مبتذلة، وأسلوب شاعري يصل للقلب، فضلاً عن استخدام لغة عربية فصحى جيدة، فضلًا عن ثقة القراء في اختيارات “الكرمة” وإصداراتها؛ على الرغم من أن كتب الخواطر لا تجذب شريحة كبيرة من القراء بالمقارنة ببقية الأنواع الأدبية الأخرى”.

وعن رأيه في مزج الصورة بالنصوص وطرح الكتب الرسومية، يوضح: “أتمنى الاهتمام بتلك الظاهرة خلال الفترة المقبلة؛ نظرًا لأنها تجذب الجمهور وتحفزهم على القراءة، إلى جانب إنها تزيد من فرص العمل والتواجد الحقيقي للفنانين التشكيليين والرسامين والمصممين؛ سواء كان ذلك من خلال رسومات الكوميكس أو التعبيرية أو حتى بالاستعانة ببعض الصور الفوتوغرافية”.

يتابع “وهبان” موضحًا ومستشهدًا: “تلك الكتب ظهرت بكثرة خلال العامين الماضيين، وسوق الكتب متعطش لها، فهناك كتب حديثة الإصدار دمجت بين النصوص والصور، ولاقت إعجاب القراء مثل كتاب “الممنوعات” الصادر عن دار “دلتا” للنشر والتوزيع للكاتب حسن الحلوجي، وهو الكتاب الفائز بجائزة فرع الفنون بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 49، وكتاب “أيام في بيت المحترم” لشافكي المنيري الصادر حديثًا عن دار نهضة مصر، و”5 شارع أبو الفدا” للكاتب فكري صالح عن دار الهالة للنشر والتوزيع.

كتاب “الممنوعات” للكاتب حسن الحلوجي، الحائز على جائزة في فرع الفنون بالدورة الـ 49 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب

يضيف “وهبان”: “أتمنى طباعة تلك النوعية من الكتب بالألوان خلال الفترة المقبلة، فضلاً عن الحرص على التوازن بين النصوص المكتوبة والرسومات أو الصور، والمزج بينهما بطريقة جيدة، ولا يتم الاهتمام بعنصر واحد منهما على حساب الاَخر”.

شهرة الكاتب أم التصنيف والنوع الأدبي

وبتوجيه السؤال لأشهر قراء الوسط الثقافي المصري، المهتمين باقتناء الكتب والتواجد في الفعاليات الثقافية بشكل مستمر والتعبير عن اَرائهم في أحدث الإصدارات الأدبية؛ سواء من خلال التظاهرات الثقافية سواء ندوات أو حفلات التوقيع أو عَبر المواقع الإلكترونية.

تقول القارئة “صافيناز صادق”: “كنت حريصة على شراء كتاب “154 طريقة لقول أفتقدك” للكاتبة شيرين سامي منذ اليوم الأول للإعلان عن طرحه؛ وذلك لثقتي الكبيرة في قلم “سامي” بعد قراءة روايتها السابقة. فبعد قراءة رواية مَن ذاق عرف، تمنيت القراءة أكثر لها. لقد وقعت في غرام كتابها الرسومي الجديد، كلمات رائعة ورسومات جميلة وإخراج بديع، كتاب قرأته بقلبي قبل عيني، كنت طوال أسبوعين اكتفي بجزء بسيط كل يوم كي لا أنتهي منه سريعًا”.

أمًا القاريء “وليد عبد المنعم” فكان له رأيًا اَخر، حيث إنه لم يتوجه لشراء كتب الخواطر الأدبية خلال فعاليات الدورة الـ 51 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، نظرًا لارتفاع أسعار الكتب بشكل عام، وحرصه على إدخار الأموال لشراء الأعمال الروائية أو المجموعات القصصية.

القاريء وليد عبد المنعم أثناء مشاركته في معرض القاهرة الدولي للكتاب. (مصدر الصورة: جلسة التصوير الرسمية لمعرض القاهرة للكتاب 2020).

يوضح “عبد المنعم”: “الكتب الأقرب للخواطر سواء شخصية أو نفسية أو شعورية، ممكن ببساطة أقرأ شبيه لمحتواها  فى الأدب الروائى أو القصصي، فلماذا اقتنى كتب مخصوصة لها؟، طبعًا هو نوع من الأدب له كل الاحترام والتقدير، وأعتقد يشبه بشكل أو بآخر أدب الرسائل، لكن الظروف المادية واهتمامى الأكبر بالفن الروائى والقصصى أبعدني عن قراءتهم”.

يتابع: “إذا قرر الكُتاب طرحهم بنسخة إلكترونية Pdf مشروعة خلال الفترة المقبلة سأتحمس لقراءتهم بالفعل، خاصة أنهم أثاروا اهتمامه، فضلاً عن ثقتي في كتابات “شيرين سامي” على وجه الخصوص”. مضيفًا: “أحب قلمها وأعتقد تجربة مختلفة بالنسبة لها”.

أخيرًا.. نستطيع التأكيد على أن الكتب الرسومية ليست ظاهرة جديدة كلية، لكنها تتوسع وتشمل صورًا إبداعية أخرى، مواكبة للعصر، ومثيرة بالأفكار الطازجة والمسلية، تشير بالطبع إلى حراكِ ثقافي فعال؛ ربما يفتح السوق الثقافي على مصراعيه أمام الفنانين التشكيليين للعمل بجانب مؤلفي الكتب، وهو أمر سيحسم بالطبع خلال الفترة المقبلة!


كتب PDF ، كتب و روايات PDF ، أفضل تجميعات الكتب، كتب عالمية مترجمة ، أحدث الروايات و الكتب العربية ،أفضل ترشيحات الكتب و الروايات، روايات و كتب عالمية مترجمة.