لم نتخيل أبداً أن المنزل الذي وصفته (أيميلي برونتي) فيها حقيقي، وبفرض وجوده فعلاً لم أتصور أن يتم بيعه يوماً ما كمنزل عادي.
كنت أتصور وجوب جعله متحفاً من نوع ما على أقل تقدير!
ينص الخبر على أن منزل (بوندين هول) الواقع على أطراف (ستانبري) في غرب (يوركشاير)، ويعود تاريخه إلى عام 1541 معروض للبيع اليوم مقابل قرابة مليون جنيه استرليني.
وقد استضاف هذا المبنى التاريخي المحمي من الدولة، والذي تبلغ مساحته 460 متراً مربعاً، عائلة (برونتي) في طفولتهم.
وقد لجأت إليه العائلة أثناء غرق (كروهيل) وهو انهيار أرضي وقع بعد هطول الأمطار الغزيرة في عام 1824.
كانت المكتبة في قاعة (بوندين هول) تُعتبر الأفضل في غرب (يوركشاير)، وكانت جذابة بشكل خاص للأخوات (برونتي).
حيث استوحين منها جميعاً أجزاء من أعمالهن (أجنس جراي) لـ (اّن برونتي) و(جين أير) لـ (شارلوت برونتي) وبالتأكيد (مرتفعات ويذرنج) لـ (أيميلي برونتي).
ومن الملاحظ جداً أن مظهر (بوندين) لا يطابق وصف (أيميلي) لـ (ثروشكرس جرانج) في (مرتفعات ويذرنج)، ولكنه يحمل أوجه تشابه عديدة مع المزرعة التي تأخذ أسمها بعد عنوان الرواية.
ويقول السيد (لوكوود) في الفصل الأول من كتاب مرتفعات ويذرنج:
“مرتفعات ويذرنج هو اسم مسكن السيد (هيثكليف)، وويذرنج هو صفة إقليمية مهمة، تصف الاضطراب الجوي الذي يتعرض له المكان في الطقس العاصف”.
مرتفعات ويذرنج
تحتوي غرفة نوم الضيوف الرئيسية في (بوندين هول) على نافذة صغيرة بمقصورة فردية داخل سرير خشبي مغطى بألواح خشبية، وهي الغرفة التي أفاضت (ايميلي برونتي) في وصفها في الرواية.
غرفة (كاثرين أيرنشو) في المرتفعات، والتي نام بها السيد (لوكوود) أثناء زيارته الأولى للمرتفعات والتي رأى فيها شبح (كاثرين) يجاهد لدخولها من النافذة!
الرواية والكاتبة
حيث أننا تكلمنا قليلاً عن المنزل الذي استوحيت منه الرواية الشهيرة، فلا بد أن نذكر بعض المعلومات عن الرواية نفسها!
(مرتفعات ويذرنج) هي العمل الأدبي الأول والوحيد لـ (أيميلي برونتي)، كتبته في الفترة بين أكتوبر 1845 ويونيو 1846.
ونُشر لأول مرة عام 1847 تحت اسم مستعار هو (إليز بيل)، وبعد موت (أيميلي) قامت شقيقتها (شارلوت) بتنقيح العمل وتعديل بعض أحداثه ونُشر للمرة الثانية بالشكل الذي نعرفه نحن الآن عام 1850.
تتكون الرواية من 34 فصلاً وتحكي قصة جيلين متعاقبين من خلال صراع عميق بين الحب والكراهية والانتقام. والقصة كلها تحكيها لنا المربية (إيلين، نيللى ،دين) كلها أسماء لذات الشخصية بمراحلها المختلفة، فهي الشاهد على قصة الحب المتطرفة التي جمعت بين (هيثكليف) و(كاثرين).
(هيثكليف) هو الطفل اللقيط الذي يعود به السيد (إيرنشو) ذات ليلة ليعيش مع أطفاله (هندلي) و(كاثرين).
ليكبر معهم حاملاً حبه العميق لـ (كاثرين) التي وجدت فيه المجال لتعبر عن شخصيتها البرية المنطلقة، وبغضاً شديداً لـ (هندلي) الذي يعامله بقسوة ويتمعن في إذلاله منذ الصغر.
لم يكن لـ (كاثرين) متعة تضاهي متعة الركض مع (هيثكليف) في البراري وتأمل السماء، حتى جاء ذلك اليوم الذي وصلا فيه إلى أسوار (ثرشكروس جرانج) في الجانب الأخر من المرتفعات، فتصاب (كاثرين) بجرح يستلزم دخولها إليه لتقابل هناك كلاً من (إدجار لينتون) و (إيزابيل لينتون) وكأنها كانت على موعد مع القدر.
بعد ذلك اليوم تبدأ في التخلي عن طبيعتها المنطلقة في الظاهر فقط وتبدأ في التفكير كسيدة صغيرة، حتى تصارح (نيللي) ذات يوم ليلة ممطرة عاصفة بأنها قبلت الزواج من (إدجار) على الرغم من حبها لـ (هيثكليف).
لأن حبها لـ (هيثكليف) كالنار يعصف بكل ما حوله ويحطّ من قدرها، بينما حبها لـ (إدجار) هادئ كضوء القمر، يحقق لها كل ما تتمناه أي أنثى.
(هيثكليف) بطل الرواية، جمع في شخصيته المثيرة كلاً من الحب إلى درجة الجنون والكراهية المتطرفة التى تعلن عن نفسها بلا خجل او غضاضة.
(هيثكليف) فى الرواية أحب (كاثرين) إلى درجة تجاوزت الشغف، بل تجاوزت الجنون.
وهي شخصية يعجز القارئ عن تحديد مشاعره تجاهها حتى نهاية الرواية.
في الرواية اختارت (كاثرين) مصيرها وحددت قدرها، وهرب (هيثكليف) من المنزل إثر سماعه لاعترافها، وتزوجت هي بـ (إدجار) وعاشت حتى عاد (هيثكليف) محملاً بكراهيته وحبه معاً.
حيث انتقم (هيثكليف) من عائلة (لينتون) ودمر كل من جاء من طرفها حتى ابنه هو، لأنه تزوج بغرض الانتقام من (إيزابيل) أخت (ادجار).
مرضت (كاثرين) وعلى فراش الموت قال لها: (لم يكن الشيطان أو الملائكة أو هندلي أخوها قادرين على تفريقهم، ولكن هي فعلت ما عجزت عنه كل تلك القوى) ويكفر (هيثكليف) بكل شيء إلا بحبه وكراهيته.
ويحيا بعد موت معشوقته على أمل أن تطارده روحها، حتى يموت وهو يتخيل وجودها فى كل ركن من أركان المنزل.
الرواية ملحمة رومانسية عنيفة تستحق التوقف عندها كثيراً، وتم تحويلها بالفعل إلى العديد من الأعمال السينمائية لكنها جميعاً لا تضاهي متعة قراءة الرواية والغوص مع تفاصيلها الرائعة المتفردة.