كورونا.. فيروس كورونا.
يا له من اسم خطير لفيروس مستجد أودى بحياة الكثيرين مسببًا الرعب والفزع في كافة أرجاء للعالم.
وقد أخبرنا أجدادنا الكثير بشأن الأمراض والأوبئة التي تفشت في حقب تاريخية ما من الزمن، ولم نعاصرها، إلا أن الكتّاب والروائيون أصروا على عدم تجاهل هذه الأمراض، وأودعوها في كلمات وعبارات سطورها في صفحاتٍ لكتب وروايات في صورة قصة شيقة، مأساوية بعض الشئ، فاز المرض بها كما يحدث في أغلب الأوقات، وخُلدت هذه الكتابات حتى وصلتنا اليوم.
أوبئة غزّت العالم عبر الروايات
لكن لمَ حرص الأدباء والمفكرين على تخليد هذه الأحداث التي أطاحت ملايين البشر من قبل؟ هل كانت الأوبئة طاغية لهذا الحد؟ الغريب في الأمر أن معظم هذه الأوبئة كانت كائنات دقيقة، لا تُرى بالعين المجردة، إلا أنها تركت أثرًا في تاريخ البشرية لم يزول حتى الآن، بل ودفعت الكتّاب لتوجيه أقلامهم ناحية هذه الأمراض.
روايات عن الأمراض والأوبئة
إليك بعض الروايات العالمية التي تناولت واستفاضت في الحديث عن تلك الأمراض والأوبئة:
الحب في زمن الكوليرا
نبدأ مع رواية “الحب في زمن الكوليرا” لمؤلفها غابرييل غارسيا ماركيز، صاحب رواية مائة عام من العزلة، والحاصل على نوبل في الأدب، والذي قال يومًا عنها:
إن هذا الحب في كل زمان وفي كل مكان، ولكنه يشتد كثافة كلما اقترب من الموت.
تدور أحداث الرواية عن قصة حب بين شاب فقير يسمى “فلورنتينو”، وفتاة جميلة في مقتبل العمر تسمى “فرمينيا”، كان والدها تاجرًا ولما علم بقصة ابنته مع الشاب الفقير سافر بها إلى بلد بعيدة، ومرضت الفتاة في يومًا ما وظنوا أنها مُصابة بمرض الكوليرا، الذي كان وقتها لا يقل فتكًا عن وباء كورونا، واستدعوا أمهر طبيب في المدينة، فعالجها وطمأنهم أنها ليست حالة كوليرا، وأُعجب الطبيب بالفتاة وطلب زواجها، ووافقت وحزن حبيبها القديم، وقرر أن يخلص لحبه طوال حياته، وأن يتزوجها يومًا ما، حتى أنه انتظر موت زوجها، وبالفعل مات زوجها وهي في عمر السبعين، وعندما عادت إلى المنزل بعد دفن زوجها، وجدت حبيبها السابق في انتظارها، لكنها رفضته.
لم ييأس “فلورنتينو” وحاول التقرب منها كصديق وشجعها على ذلك ابنها، فتقترب المسافات بينها وبين حبيبها السابق، وفي مرة يأخذها إلى رحلة نهرية، فأراد “فلورنتينو” التقرب منها وأذاع اشاعة بأنّ وباء الكوليرا منتشر على السفينة، فهرب منها كل المسافرين، حتى أصبحوا وحيدين في السفينة، ثم أخبرها أنّ هذه خدعة منه، ورفعت السفينة العلامة الصفراء – إشارة الخطر – وكانت السفينة تقف فقط لملئ الوقود ثم تُكمل مسيرتها في المياه.
العمى
لنتقل لرواية “العمى” وهي من أهم الروايات التي تتحدث عن تفشي الأمراض والأوبئة على غرار ما يحدث الآن في وباء فيرس كورونا، وهي من تأليف جوزيه ساراماغو، والذي يحصى كواحد من أنبغ الأدباء الراحلين، حصل على الكثير من الجواز على مدار حياته الأدبية، أهمهم جائزة نوبل في الأدب.
وتدور أحداث الرواية عن مريض أُصيب بالعمى، فذهب إلى الطبيب، وانتقل الوباء إلى الطبيب، وبمرور الوقت تفشى المرض في القرية كلها، وفي هذا الوقت انتشرت السرقة بشكلٍ كبيرٍ وعمت الفوضى في أنحاء القرية، وتدخل الجيش للسيطرة على الوضع، وظهر الكثير من المبادئ الغير مقبولة في المجتمع من قتل وسرقة وتطبيق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة في سبيل الحصول على الطعام.
ويستطرد الكاتب في الحديث عن الطبيب وعائلته الذين يقامون المرض والأحداث الجارية حولهم، جاهدين في المحافظة على أنفسهم بين كل ذلك الخراب، حتى اختفى المرض فجأةً. نجحت الرواية وانتشرت على نطاقٍ واسعٍ، إذ أنها تُرجمت لعدة لغات، وأُنتج فيلمًا سنيمائيًا مستلهم من الرواية بعنوان Blindness.
الطاعون
ثم تأتي رواية “الطاعون” هي رواية للأديب والفيلسوف الرائع ألبير كامو، وهو من أمهر الأدباء الذين يذكرهم الزمان على مر الأجيال، نظرًا لما تركته لنا من أعمال خلدت اسمه، وهو حاصل على جائزة نوبل في الأدب.
تدور أحداث الرواية حول تفشي مرض الطاعون الفتاك في قرية هران بالجزائر، على غرار ما يحدث حاليًا مع فيرس كورونا، وضمن مسار الأحداث في الرواية كان هناك وقتها الطبيب “بيرنارد ريو”، الذي يسعى إلى مساعدة الأسر التي يعاني أحد أفرادها من المرض، وفي نفس الوقت مرضت زوجته، وسافرت للعلاج خارج البلاد، وإذا بالسلطة تغلق أبواب هران.
تموت زوجة الطبيب الذي يجد نفسه محبوسًا، فيسخر نفسه لمساعدة المرضى، والبحث والدراسة في هذا المرض اللعين، حتى يجد له علاجًا، إلا أنّ كافة محاولاته تبوء بالفشل، حتى يذهب المرض عن القرية، فيعم الفرح والسعادة على أهل القرية، إلا الطبيب الذي يُدرك أنّ الطاعون مرض خبيث، وقد اختفى لفترة وجيزة، ليخدع الناس، إلا أنه سيعود يومًا ما، بصورة أقوى، لكن هل سيعود الطاعون حقًا؟
عام العجائب
وهناك رواية “عام العجائب” لمؤلفتها جيرالدين بركس، وهي كاتبة وصحفية أسترالية، ولدت في أستراليا ودرست في جامعة سيدني، تتحدث فيها عن امرأة شجاعة، واجهت مع أهل قريتها مرض الطاعون. وترجع القصة إلى القرن السابع عشر، عندما حُملت قطعة قماش بها مرض الطاعون من لندن إلى احدى القرى المعزولة.
وتُروى الرواية من منظور تلك المرأة الشجاعة “آنا” التي تجمع أتباعها من القرية لمواجهة هذا الخطر، وإذا بأنواعٍ أخرى من الجرائم تظهر في القرية، وتواجهها آنا بكل شجاعة وصبر، أملاً في النجاة، والحصول على حقها في الحياة، ويصبح ذلك العام الذي تفشى فيه المرض، وانتشر الكوارث، عام العجائب.
الموقف
بالطبع لا ننسي رواية “الموقف” رائعة الكاتب الأمريكي الشهير ستيفن كينج، والملقب بملك أدب الرعب. تتحدث الرواية عن الطريقة التي سينتهي بها العالم عبر انتشار نوع خطير من أنواع الإنفلونزا القاتلة مثل فيرس كورونا، والانهيار التام للمجتمع بعد أن تسبب الإطلاق المفاجئ لسلالة من الإنفلونزا التي تم تعديلها للحرب البيولوجية في حدوث وباء مروع، والذي يقتل غالبية العالم، وستقضي على البشرية، ولن ينج منىها إلا عدد ضئيل جدًا من البشر، وكانت نجاتهم بسبب امتلاكهم قدرات خارقة للطبيعة، ومن المفترض أن يكون هؤلاء المتبقون، هم سبب تعمير الأرض فيما بعد، ثم تصبح معركة بين الخير والشر.
وفي النهاية.. لطالما سمعنا عن الأمراض والأوبئة -أخرها فيروس كورونا- التي فتكت بشعوب وجيوش، ومنها ما حسمت حروب، ومنها ما أدت لمجاعات، لم يسلم منها البشر، وسببت الذعر للناس في أوقات من التاريخ، منها ما وصلنا ذكره، ومنها ما لم يصل إلينا عنه خبر، وطواه الزمن، ونسي البشر وقتها أن يدونوه ويخبرونا عنه، ربما من الذعر، من الهلع، من انتظار المصير المحتوم بإبادة البشر من على وجه المعمورة وقتها، فألهاهم المرض عن الكتابة لنا، وإرسال رسالة لنا تنبهنا بأن هناك مرض ما متربص لبني البشر، وسيخرج في وقتٍ ما، هل يمكن أن يكون هذا صحيحًا؟ ربما!