تنتشر الكائنات الدقيقة في كل مكان تقريبًا، فستجدها على الأرض وفي الهواء وعلى جسدك، حتى على الهاتف أو الحاسوب الذي تقرأ من خلاله هذا المقال، لكن هل سألت نفسك من قبل عن هذه الكائنات الدقيقة؟ وإلى أي علم تنتمي؟
في الحقيقة إنَّ هذه الكائنات تنتمي لما يعرف بالـ Microbiology أو علم الأحياء الدقيقة، وهو أحد فروع علم الأحياء والذي يهتم بدراسة الكائنات التي قد لا ترى بالعين المجردة، مثل: (الطحالب الدقيقة والفطريات والبكتيريا والجراثيم الأخرى)، كما أنه يدرس علم الفيروسات، وهي كائنات دقيقة للغاية ومنتشرة في أرجاء الأرض، منها الخطير ومنها الجيد، ولها أمثلة عديدة أشهرها: فيروس الانفلونزا وفيروس الكبد الوبائي، ومؤخرًا فيروس الكورونا.
ويمثل فيروس كورونا (COVID-19) فصيلة كبيرة من الفيروسات الكورونا المعروفة بتسببها بالأمراض لدى الحيوانات ومن الممكن أن تؤدي كذلك إلى الإصابة بالأمراض لدى البشر.
يمتد طيفها من نزلة البرد الشائعة إلى المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس)، فهو غير حديث، له الكثير من السلالات، إلا أنه لقى إهتمامًا كبيرًا من العالم أجمع في الآونة الأخيرة، بسبب ظهوره في حالة شرسة للغاية، غير معهودة، نتيجة لحدوث طفرة في جيناته، فأدت لاكتساب الفيروس مقاومة أكبر وقابلية للانتشار بسرعة كبيرة.
ففي نهاية ديسمبر من العام الماضي، تم إبلاغ المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في الصين بتزايد حالات الالتهاب الرئوي المسبب لمرض غير معروف تم اكتشافه في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي الصينية، وتم إعلان فيروس كورونا المستجد (COVID-19) على أنه المسبب لتلك الحالات من قِبَل السلطات الصينية في بداية يناير هذا العام.
وقد حصل فيروس كورونا على اسمه بسبب شكله تحت الميكروسكوب والذي يُشبه التاج (بلغة كورونا باللاتينية).
وقد أعلنته منظمة الصحة العالمية كأخطر فيروس موجود في العالم في الوقت الحالي؛ حتى يتدبر البشر حذرهم، ويبدأوا في اتخاذ احتياطاتهم ضد هذا المخلوق الصغير في الحجم، والكبير في نظر الناس، نتيجة حالة الهلع والذعر التي تسبب بها، فغالبًا ما ينتقل فيروس الكورونا عن طريق الرزاز أو التلامس.
كتب تشرح لك مفاهيم الأوبئة والأمراض
ولكي تتعرف أكثر عن فيروس كورونا وعن الفيروسات والأوبئة والكائنات الدقيق والأمراض الخطيرة، عليك أن تقرأ المزيد عنها.
وإليك بعض الترشيحات من الكتب العلمية المبسطة لغير المتخصصين، والتي حتمًا ستفيدك في رحلتك للقراءة حول فيروس كورونا في طوره الأخير، وذلك بهدف نشر الوعي بها، كمساهمة في تدعيم الثقافة الطبية.
الفيروسات
نبدأ مع كتاب “Viruses: A Very Short Introduction – الفيروسات: مقدمة قصيرة جدًا“، وهو من تأليف “Dorothy Crawford – دوروثي كروفورد”، وترجم للعربية عبر مؤسسة هنداوي للنشر، ويتناول مقدمة عن علم الفيروسات، بشكلٍ مبسطٍ لعامة القراء، عبر وصف موجز للفيروسات وتركيبها وأماكن انتشارها وطرق الإصابة بالعدوى، وتوضيح لكيفية تعامل الجهاز المناعي مع الفيروسات.
ويؤكد الكتاب على إن الفيروسات معمرة لأنها تمتلك قدرة هائلة على التكيف.
كما مجتمعات الفيروسات كثيرة التبدل والتغير، فيحل أحدها محل الآخر سريعًا إذا كانت لياقة المجتمع الجديد أكثر ملاءمة للمناخ السائد.
وهناك مجموعة من الفصول التي تتناول أنواع الفيروسات إذا ما كانت سلالة حديثة الظهور – كفيروس الكورونا مثلا – أم أنها وبائية أم من تلك الأنواع التي تعيش داخل الجسم طيلة العمر.
ويوضح الكتاب أيضًا مراحل تطور التعامل مع الكائنات الدقيقة كالفيروسات، وكيف أصبح بإمكاننا عزل هذه الكائنات وتشخيصها. ويلقي الفصل الأخير الضوء على تاريخ تطور الفيروسات على مر الزمان.
علم الأوبئة
ننتقل لكتاب “Epidemiology: A Very Short Introduction – علم الأوبئة: مقدمة قصيرة جدًا“، وهو من تأليف “Rodolfo Saracci – رودولفو ساراتشي”، وترجم للعربية عبر مؤسسة هنداوي للنشر أيضًا.
ويتناول الكتاب بعض المعلومات الطبية عن الأوبئة وأسباب انتشارها وما هي الطرق المستخدمة في دراسة علم الأوبئة، كما يشرح المفاهيم الإحصائية الأساسية اللازمة لتخطيط الدراسات الوبائية وتحليلها.
كما يشير الكتاب إلى تاريخ الأوبئة وكيفية تشخيصها ومعرفة مدى انتشارها في الوسط بالاستعانة بالعلوم الأخرى، خاصةً في المناطق المليئة بالأمراض، والتي يصعب استخدام الطرق الطبية بها للتعرف على نسبة انتشار الأوبئة، ويجيب على تساؤل: هل هناك صحة مطلقة؟
وهو كتاب مبسط للغاية وسهل الفهم للقراء غير المتخصصين، فطبيعة أساليب علم الأوبئة وأسسه ذات طبيعة جامدة قليلًا، لكن هذا الكتاب يقدم لك لمحة عن طبيعة المجال دون عرض للصيغ والرموز الرياضية، فقط بعض المعادلات البسيطة السهلة الفهم؛ فعند اتباع مبادئ علم الأوبئة يسهل علينا معرفة المزيد عن تطور المرض والكشف عنه، باستخدام الاختبارات التشخيصية المختلفة.
الفيض
ونختم مع كتاب “Spillover: Animal Infections and the Next Human Pandemic – الفيض: أمراض الحيوان المعدية وجائحة الوباء التالية بين البشر” وهو كتاب علمي مبسط من جزئين تأليف الكاتب المخضرم في مجال العلوم “David Quammen – ديفيد كوامن”، حيث يخوض الحديث فيه عن الأمراض الطبية للعامة التي تسببها الجراثيم، خاصةً تلك الأمراض التي تنتقل من الحيوانات للبشر، وقد تنتشر في جميع أنحاء العالم، مثل مرض الطاعون مثلًا! وفي الوقت الحالي الكورونا، وذلك في صورة شيقة تناسب الجميع من غير الدارسين.
تستعرض فصول الكتاب الأمراض في صورة مغامرة يخوضها في عالم الحيوان، ويمر بالكثير من الأماكن العامرة بالحيوانات المريضة مثل الأحصنة والغوريلا وغيرهم، ويتناول مغامرات وسط الأبحاث الطبية التي أُجريت على هذه الأمراض في معاملٍ خاصةٍ وبوسائل تعقيم مُشَدّدة، ويتحدث أيضًا عن أطباء وباحثين ماتوا أثناء أبحاثهم على تلك الأمراض المعدية الخطيرة، كما يروي عن أولئك الناجين من تلك الأمراض، وهو كتاب شيق على أي حال، ويُنصح به لما فيه من معلومات مفيدة وشيقة، مبسطة للقراء غير المتخصصين، وأيضًا لقدرته على نشر الوعي بين الناس.
ترجم هذا الكتاب للعربية بجزأيه الأول والثاني بواسطة دكتور “مصطفى إبراهيم فهمي” لصالح سلسلة عالم المعرفة التابعة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت.
وهكذا، لم يكن الكورونا أول فيروس يثير الذعر في نفوس البشر على مر التاريخ، فسبقه العديد من الفيروسات الدقيقة، والتي أصبحت اليوم أمراض تُعالج بسهولة بعدة طرق بسيطة للغاية، فكما تتطور هذه الكائنات الدقيقة، فإنّ الجهاز المناعي للإنسان يتطور على مر الزمان، حتى أصبح مقاوما للعديد من الأمراض التي أطاحت بأمم بأكملها من قبل.
لكن هل سيأتي اليوم الذي يصبح فيه كورونا مجرد فيروس بسيط غير خطير فيكون بمثابة قصة يرويها أبنائنا لأبنائهم قبل النوم عن فيروس أرهب البشر في وقتٍ ما من التاريخ.
ربما يبقى هذا المقال لهذا الوقت من التاريخ المتقدم، فتقرأه أنت بعد نشره بأعوام عدة، فتتذكر حالة الذعر التي تنتاب بشر عام 2020، أو أن كورونا انتصر علينا ومازلتم أنتم تقاومونه!