من صاحب فكرة أنّنا لا يجب أن نترك قراءة كتابٍ بدأناه، قبل أن نقرأه كاملًا؟ ولماذا يجب علينا أن نفعل ذلك، مهما كان شعورنا بالسأم أو الضيق، أو الاشمئزاز حتى؟ في الحقيقة هذه الفكرة تجعلني أتذكر نصيحة الكبار لنا حينما كنّا أطفالًا، بأنّنا يجب أن نأكل الطعام الموجود بطبقنا بالكامل، حتى لو كنّا شبعنا بالفعل، أو لم نعد نرغب بالمزيد ببساطة.
هذه النّوعية من الأفكار التي كنّا نظنّها صحيحة للأسف، كلّفتنا أضرارًا نفسية، -وبدنية- وأضاعت الكثير من وقتنا، رغم كونها خاطئة تمامًا.
التخلّي عن قراءة الكتاب الذي بين يديك
الفكرة التي أطرحها في هذا المقال ببساطة عزيزي القارئ، هي أنّك إن كنت قد اكتفيت من الكتاب الذي بين يديك الآن، ولم تعد ترغب بقراءة المزيد منه، فيُمكنك أن تتوقف، وتُنحيه جانبًا، لتبدأ في قراءة كتاب آخر، يُشعرك بمتعة القراءة الحقيقية.
والسؤال المهم هنا، متي يكون القرار بالتخلّي عن قراءة كتابٍ ما بدأنا فيه بالفعل صحيحًا؟ ومتي يكون هذا القرار خاطئًا؟ وكيف نتيقنّ أنّنا لم نتسرع في اتخاذ هذا القرار، وأنّ الكتاب يستحق فرصة أخرى؟ حسنًا، أعتقد أنّ هذا المقال سيُساعدك في معرفة إجابات هذه الأسئلة التي تشغل بال كل قارئ نهم.
معلومات أساسية عن القراءة يجب أن تعلمها أولًا
الكتب القراءة الثقافة
أولًا: يجب أن تعلم عزيزي القارئ أنّ القراءة فعل شخصي جدًا، لا يليق به المجاملات، فلا ينبغي مثلًا، أن تقرأ كتابًا لا يروقك منذ البداية، وتُصرّ على إنهائه، من أجل صديقك الذي يُلّح عليك بذلك، من أجل معرفة رأيك مثلًا. صديقك لن يتضرر إذا أخبرته ببساطة أنّ الكتاب لم يُعجبك، وأنّك توقفت عن قراءته، وإنّما أنت من سيتضرر إذا أجبرت نفسك على الاستمرار فيه حتى النهاية.
ثانيًا: القراءة أذواق، مثلها مثل الفنون جميعًا، فالكتاب الذي تراه رائعًا، يراه غيرك من أسوأ الكتب، والعكس كذلك، لذلك لا تخجل أبدًا حينما تقول رأيك في كتاب، طالما قرأته بكامل تركيزك وأعطيته اهتمامك الكلّي، ربما سيُعارضك البعض في رأيك وهذا شيء طبيعي جدًا. تذكر، هي فعلًا مسألة أذواق، ولكلٍ منّا ذوقه الخاص في القراءة.
ثالثًا: وهذه نقطة مهمة جدًا، أنت لا تُهين الأدب حينما تترك كتابًا مهمًّا أو ذا قيمة، أنت تقرأ ما يُناسبك أنت، في الوقت الذي يُناسب اتجاهك الفكري ومزاجك النفسي، لذا فلا تنظر لنفسك على أنّك شخص غير مُثقف، إن لم تستهوك روايات الأدب الروسي العالمي مثلًا، فهذه الروايات كنز ثمين فعلًا، ولا يُقلّل منها أبدًا عدم رغبتك في قراءتها، ولا يُقلل ذلك منك كقارئ أيضًا.
ولماذا نتخلى عن الكتب أصلًا؟
قد يقول البعض وما الضرر الذي سيعود عليّ إن دفعت نفسي دفعًا كي أُنهي كتابًا لم يُعجبني؟ أليس هذا أفضل من تركه، بما أنّ القراءة شيءٌ جيّد في كل الأحوال؟
وأقول أنا لهم، أنّ هناك اختيار أفضل بالتأكيد، وهو أن أترك كتابًا لا يُعجبني، وأقرأ كتابًا آخر يجعلني في حالة من الاستمتاع، والرغبة في قراءة المزيد. يقول الكاتب الأيرلندي جيمس جويس:
“الحياة قصيرة جدًا، لقراءة كتاب سيئ”.
ولاحظ أنّنا أثناء الدراسة كنّا مضطّرين لقراءة ودراسة بعض الكتب الأدبية والعلمية التي لم نشعر بالميل نحوها، والتي ربما كرهها البعض منّا أيضًا، ولكنّنا الآن لسنا مضطرين ولله الحمد لذلك.
لذا فلا تُضع الوقت عبثًا إلا مع كتاب يستحق، كما أنّ تسويفك في قراءة الكتاب الذي لا تُريد قراءته، يجعل من القراءة عبئًا ثقيلًا مع مرور الوقت، وربما يجعلك ذلك تسأم من القراءة ككل.
قبل أن تتخلى عن كتابٍ مهم..
حينما تقرأ كتابًا تعلم أنّه شديد الأهمية فعلًا، أو أنّه مُرشحٌ بشدة من قبل أحد الأصدقاء الذي يتماشى ذوقه مع ذوقك العام في القراءة، ومع ذلك تشعر بأنّك لا تُريد الاستمرار في قراءته، فهناك طريقتان لحل هذه المسألة:
أولًا: يمكنك أن تستخدم نظرية الـ 50 صفحة، وهي أن تستمر بقراءة الكتاب حتى تصل للصفحة الـ 50، وبعدها تُقرّر ما إذا كنت ستدع الكتاب جانبًا، أم تُكمله بعد أن وجدت فيه ما يُثير اهتمامك.
ثانيًا: اترك الكتاب مؤقتًا، وأعطِه فرصة أخرى بعد مرور فترة من الزمن، وذلك لأننا نتغير باستمرار، وأذواقنا تتغير معنا أيضًا، لذا يُمكنك أن تمنح فرصة أخرى للكتب التي تعلم تمام العلم بأهميتها الأدبية، أو بكونها ستفيدك فعلًا في حياتك العملية، أو حتى لتلك الكتب التي قرأتها وأنت في حالة مزاجية غير مستقرة، فكوّنت رأيًا سيئًا بخصوصها.
تقول الكاتبة الأمريكية ماري آن شافر:
“قراءة الكتب الجيّدة، تُفسد عليك الاستمتاع بالكتب السيئة”.
وهي نصيحة ذكية بالفعل، فكُلمّا قرأت كُتبًا جيدة وذات قيمة، كلما استطعت بسهولة أن تُميّز ما بين الكتب الجيدة والسيئة سريعًا، وبالتالي لن تشعر بالمتعة أبدًا وأنت تُطالع كتابًا سيئًا.
لذا قبل أن تتخلى عن كتابك، لا بد أن تعلم أنّه من المهم ألا تتسرّع في قرارك، وإلا ستخسر ما قد يهمّك أو يفيدك، كما أنّه ليس من الصحي ألّا تطّلع على أفكار ورؤى مُختلفة عمّا تقرأ عادةً، ولكن في نفس الوقت لا تُجبر نفسك على الاستمرار في قراءة كتاب لا تستمتع به.
قرأت تعليق جميل لأحد القرّاء، مفادهُ أنّ قراءة كتاب يكون بمثابة إجراء محادثة مع الكاتب، هدفها الأهم هو أن تُسعدك، فإذا أحببت هذه المحادثة، أكملها حتى النهاية، ولكن إذا شعرت بأنّ هذا الحوار يزداد سخافة مع الوقت فيُمكنك أن تُنهي هذه المُحادثة على الفور.
جئنا إلى السؤال الأهم، متي يُمكننا أن نُقرّر أن نتوقف عن قراءة كتابٍ ما، ونحن مُرتاحو الضمير؟ هناك علامات عدّة، تستطيع أن تعرف منها ذلك ببساطة:
حينما يُصبح وقت القراءة روتينًا وعبئًا يوميًا، تجد نفسك تُحاول أن تتجنبه.
حينما تقرأ 50 صفحة من الكتاب أو أكثر، ولا تشعر بالاتصال الذهني مع الكاتب، وفي حالة كونها رواية، تجد نفسك غير مهتمّ بمعرفة كيف ستنتهي أو ما هو مصير أبطالها.
حينما تتوقف كثيرًا أثناء القراءة، لترى عدد الصفحات المُتبقية على النهاية.
حينما تفقد المُتعة التي تشعر بها عادة مع كتب أخرى، أو حينما تقرأ بلا اهتمام حقيقي.
حينما تشرد كثيرًا بينما تقرأ، وتضطر أن تُعيد قراءة ما فاتك أكثر من مرة.
حينما ترى نفسك تقرأ بسرعة كبيرة، وتتخطى السطور والفقرات حتى تنتهي من الكتاب.
حينما لا يروقك أسلوب الكاتب، الذي ربما يكون مُملًّا أو مُبتذلًا أو غير منطقي.
في النهاية، أعتقد عزيزي القارئ، أنّ هذا المقال سوف يكون طوق النّجاة بالنسبة لك، لإنقاذك من فخ، وقعنا فيه جميعًا أكثر من مرة، وهو إصرارنا على أن نستمر في قراءة كتاب سيئ، حتى نصل لصفحة النهاية، فها أنا ذا أقول لك، نيابةً عن المتخصصين بالطبع، اترك هذا الكتاب السيئ -حتى وإن كان من وجهة نظرك فقط- واستبدله بكتابٍ آخر، يُعيد لك الشعور بما خُلقت القراءة لأجله، السعادة.