أهم كتب تشرح: كيف نقرأ الفلسفة؟
كيف نقرأ الفلسفة؟ أنغوص فيها هكذا دون بداية معينة؟ أم علنا نتعلم السباحة أولًا ثم نغوص في عوالم الفلسفة؟ في هذا المقال، سأحاول أن أعينكم على تعلم السباحة في مياه الفلسفة، كي تغوصوا فيها لاحقًا. تشبثوا، فالرحلة قد بدأت.
قصة الفلسفة اليونانية
لا، لن تكون البداية كالمعتاد مع رواية عالم صوفي، الرواية الأشهر التي دائمًا ما تكون ترشيحًا للباحثين عن بداية في رحلة فهم الفلسفة، على الرغم من سهولة هذا العمل، إلا أنني آثرت على اختيار ترشيح مختلف ليكون بداية حقيقة لقراءة الفلسفة.
قصة الفلسفة اليونانية لزكي نجيب محمود وأحمد أمين كتاب عظيم ليكون بداية سلسة جدًا لفهم الفلسفة، فمشروع زكي نجيب محمود يعتمد على تفكيك العقد التي توقع القارئ في متاهة تبعده عن الفلسفة.
يحاول زكي محمود أن يقرب الفلسفة إلى القارئ العادي، أن ينزل بها إلى الشارع ويجردها تمامًا من عنجهيتها التي تتسم بها، أو كما يحب لبعض الأكادمين أن يصبغوا الفلسفة بهذه الصبغة.
بدأت الفلسفة في اليونان، وكما ذكرت سابقًا، فإن أصل الكلمة مستمدًا من هناك، لذلك يبدأ زكي محمود وأحمد أمين باستعراض الفلسفة منذ البداية: كيف نشأت، وكيف تطورت، ويأتي على ذكر أهم الفلاسفة اليونانيين الذين كان لهم تأثيرًا في بدايات ونشأت الفلسفة.
يحكي الكتاب عن أهم الفلاسفة اليونانيين ما قبل سقراط وما بعده، إذ أن سقراط كان علامة فارقة جدًا في تاريخ الفلسفة، ثم ينتقل إلى مدارس أخرى أكثر حداثة ليتجول بين الرواقية والأبيقورية وصولًا إلى الأفلاطونية الحديثة، كل هذا ضمن الفلسفة اليونانية فقط.
اللغة سهلة في هذا الكتاب، لن تحتاج إلى قاموس لفك طلاسم ما تقرأ، بل كان الكاتبان حريصان جدًا على أن يكون ما يكتب مفهومًا، يخلص الفلسفة من صورتها البشعة، ويقربها أكثر إلى الشارع.
قصة الفلسفة الحديثة
كان الكرم كبيرًا عند زكي محمود وأحميد أمين في إتمام هذا المشروع العظيم المذكور سابقًا، فكان من تمام الكرم أن تابعا كتابة كتاب سلس آخر تناول الفلسفة بسلاسة. بعد أن عرفنا حق المعرفة عن بدايات الفلسفة وتشربنا مقدمة في الفلسفة اليونانية، ننتقل بعدها إلى الفلسفة الحديثة، إذ بدأت الفلسفة حية أكثر من قبل.
يبدأ كتاب قصة الفلسفة الحديثة بتمهيد لبيان ما وصلت إليه الفلسفة بعد الرحلة المقدمة في كتاب قصة الفلسفة اليونانية، فيستعرض فلسفة العصور الوسطى، واختلاطها اختلاطًا وثيقًا في الدين والكنيسة في ذاك الوقت.
يأتي الكتاب بعد ذلك على ذكر الفلسفة الحديثة، ليكون بمثابة عتبة مهمة للغاية في فهم الفلسفة الحديثة، وكيف استمدت نورها من الفلسفة اليونانية، ليتستعرض أهم المدراس الفلسفية التي اعتمدت على فلاسفة أصبحوا جذورًا راسخة في هذا المجال، فتبدأ الرحلة مع المذهب الواقعي في إنجلترا وتحديدًا مع فرنسيس بيكون.
الجميل في مشروع زكي نجيب محمود وأحمد أمين أن اللغة كانت أدبية نوعًا ما، ومن هنا جاءت الكلمة الأولى في العنوانين لتكون قصة، والقصة لا بد أن تكون متسلسلة بطريقة منطقية، تشد القارئ ليعرف النهاية، وتتسم بلغة لها حلاوة خاصة، وفعلًا كذلك كانت قصص الفلسفة المكتوبة هنا.
عزاءات الفلسفة
“يعمل كل من الفن والفلسفة على مساعدتنا، بحسب كلمات شوبنهاور، على تحويل الألم إلى المعرفة.”
كعادتها، تساعدنا الكتب على التغلب على ذلك الغول، ذاك الشيء الخشن نتن الرائحة الذي ذكرته في مقدمة المقال، فتأخذ بيدنا لنصعد سلم المعرفة قليلًا قليلًا، فنقرأ ونتعلم ونستزيد. لذا، أقدم لكم كتابًا آخرًا يتناول الفلسفة بطريقة سلسلة: عزاءات الفلسفة للكاتب آلان دي بوتون وترجمة يزن الحاج.
يبدأ دو بوتون بداية موفقة باختيار عنوان جاذب “عزاءات الفلسفة“، يدرك دو بوتون بأن البشر بحاجة دائمة للمساعدة، فيعزز ذلك في العنوان الثانوي “كيف تساعدنا الفلسفة في الحياة”.
للأمانة، لم يكن دو بوتون أول من استخدم هذا العنوان، فقد سبقه في ذلك بوثيوس (Boethius) فيلسوف وسياسي روماني فكتب كتاب (عزاء الفلسفة)، إلا أنه استعرض فلسفته الخاصة، على النقيض من دو بوتون الذي استعرض فلسفة 6 من أشهر الأسماء التي ذاع سيطها في الوسط الفلسفي وكان لها أثرًا كبيرًا في التأثير على العديد من المهتمين بالفلسفة: سقراط وأبيقور وسينيكا ومونتين وشوبنهاور وأخيرًا نيتشه.
اختار دو بوتون عناوينًا تجذب القارئ لتكون مدخلًا إلى مدرسة فلسفية، فمن خلال العزاء بشأن مخالفة الآراء السائدة تعرفنا على سقراط، ومن خلال العزاء بشأن الافتقار إلى المال تعرفنا على أبيقور، ويحدثنا دو بوتون عن الإحباط مستعرضًا أفكار الفيلسوف سينيكا، ثم ينتقل إلى العجز مع مونتين، وبعدها إلى الحب وانكسار القلب مع شوبنهاور، ويختتم الرحلة مع نيتشه والعزاء بشأن المصاعب.