مولانا جلال الدين الرومي في سطور:
هو محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي، عُرف واشتهر باسم “مولانا جلال الدين الرومي”: شاعر، عالم بفقه الحنفية والخلاف وأنواع العلوم، ثم متصوف “ترك الدنيا والتصنيف” كما يقول مؤرخو العرب. وهو عند غيرهم صاحب المثنوي المشهور بالفارسية، وصاحب الطريقة المولوية المنسوبة إلى مولانا جلال الدين.
ولد في مدينة بلخ في أفغانستان وانتقل مع والده إلى بغداد في الرابعة من عمره، فنشأ بها في المدرسة المستنصرية حيث نزل والده، ولم تطل إقامته هناك حيث أرتحل مع عائلته إلى العديد من البلدان حتى استقر في قونية عام 623 هـ في عهد دولة السلاجقة الأتراك. اشتهر ببراعته في الفقه وغيره من العلوم الإسلامية فعمل في التدريس في قونية في أربع مدارس مختلفة بعد وفاة والده عام 628 هـ. وله حالياً في تركيا في مدينة قونية متحف شهير يرتاده الزوار من كل أنحاء العالم.
وفي حوالي عام 642 هـ ترك التدريس والتصنيف والدنيا وتصوّف، فشغل بالرياضة وسماع الموسيقى ونظم الأشعار وإنشادها. ومن المثير معرفة أن قصائده ودواوينه شغلت العالم أجمع سواء المسلمين أو غيرهم، وترجمت إلى العديد من اللغات حتى أنه عام 2007، وبحسب تقرير صدر عن الـ BBC، صُنف بأنه من أكثر الشعراء مبيعاً في الولايات المتحدة.
مثنوي من أشهر أعماله
عادة تصنف أعمال الرومي إلى عدة تصنيفات فمنها الرباعيات، ومثنوية المعاني (وهو كتاب المثنوي الأن)، الديوان الكبير الذي كتبه من أجل ملهمه في طريق التصوف وصاحبه “شمس التبريزي”، المجالس السبعة ورسائل المنبر.
جزء من قصيدة “أنين الناي”، ترجمة “زهير سالم” عن الفارسية بتصرف:
أنين الناي نار لا هواء..
فلا كان من لم تضطرب في قلبه النار..
نار الناي هي سورة الخمر، وحمى العشق
وهكذا كان الناي صديق من بان
وهكذا مزقت ألحانه الحجب عن أعيننا..
فمن رأى مثل الناي سماً وترياقاً؟!
ومن رأى مثل الناي خليلاً مشتاقاً؟!
إنه يقص علينا حكايات الطريق التي خضبتها الدماء
ويروي لنا أحاديث عشق المجنون
الحكمة التي يرويها، محرمة على الذين لا يعقلون،
إذ لا يشتري عذب الحديث غير الأذن الواعية.
وهذه القصيدة هي افتتاحية كتابه (المثنوي).
كتاب مولانا جلال الدين الرومي لمؤلفته جيهان أوقويوجوربما نكون قد أطلنا قليلاً في الحديث عن جلال الدين الرومي، قبل أن نتحدث عن الكتاب الذي يتناول سيرة حياته، ولكن الحقيقة أن من سيقرأ هذا الكتاب سيجد فيه سيرة تاريخية كاملة عن حياة الرومي بحيث سيشعر أن كل تلك المعلومات السابقة تليق فعلاً لأن تصبح مجرد تقديم عن هذا العمل المتكامل.
الكتاب من تأليف الأستاذة الدكتورة “جيهان أوقويوجو” تركية الأصل، أي أن لغة الكتاب الأصلية هي التركية وتم نشره بها للمرة الأولى عام 2009. ومن ترجمة وتحقيق “أورخان محمد علي”، نشر لأول مرة مترجماً للعربية عام 2014 عن دار النيل للنشر والتوزيع، عدد صفحاته تقريباً 244 صفحة.
الكتاب باختصار يؤرخ للرومي قبل مولده إلى حين وفاته، ويتوقف عن شيوخه ومريديه ويعطي مساحة خاصة لصديقه “شمس التبريزي”، كما يتعرض لأفكار الرومي حول الله والعبادات وكنة الوجود.
يمكن تقسيم الكتاب إلى 4 أقسام محددة، القسم الأول والثاني يحكيان قصة مولانا من ولادته ببلخ حتى وفاته بقونيا مرورًا بأحداث حياته وأهمها لقاؤه بشمس التبريزي الذي يمثل نقطة التحول الرئيسية. وتم استعراض أبرز المصادر الأولية لتاريخ مولانا. بعد الانتهاء من قصته ذكر مؤلفات الرومي معرفًا بها.
القسم الثالث هو أعمق الأقسام وأمتعها حيث يأخذنا المؤلف إلى رحلة في فكر مولانا بداية بثنائية الجسد والروح. حيث كان يؤمن كغيره من المتصوفين أن بداخل كل إنسان جزء من الله “الروح” متراكم عليها الدنيا والغفلة والذنوب وغيرهم.. فعلى كل إنسان أن يكتشف الجنة الموجودة بداخله لكى تتحول حياته من اعتيادية إلى معنى أخر وولادات جديدة. قرر ترك أهواء نفسك والبدء بسلوك الطريق إلى الله ثم الفناء فيه ثم العودة إلى العبودية كإنسان كامل.
إن الإنسان يجب أن يخاف من نفسه وشهوته أكثر مما يخاف من أي شيء آخر فالإنسان هو حيوان بالجسد وملاك بالروح في آن واحد، فإذا غلب العقل الجسد أصبح أسمى من الملائكة وإذا غلب الجسد العقل أصبح أحط من الحيوان ولهذا عليك أن تهتم باللؤلؤ “الروح” لا بالصدف الإنسان كالحصان وراكبه يجب أن يسيطر أحداهما على الآخر وعلف الحصان لا يصلح أن يكون غذاء لصاحبه أبدًا ومعشوقهما مختلف.
القسم الرابع عبارة عن مختارات من المثنوي إلى أن تنهي المؤلفة الكتاب بالحديث عن شرح الأبيات الـ 18 التي بدأ بها الرومي المثنوي مع قصة الناي ومبدأ العشق ومعناه.
جزء من الكتاب يتناول بعض ما قاله المؤرخون عن شخصية مولانا:
كان مولانا يمثّلُ النُّضْجَ العقليَّ في أعلى مراتبه، والنبضَ القلبيَّ في أرقى وأروعِ مشاعرِه؛ واتّحدت عنده المدرسة والتكية، ولذا استطاعَ إشباعَ العقولِ وإرواءَ القلوبِ والأرواحِ في آنٍ واحد، فهو دعوةٌ مستمرّةٌ إلى الحبّ، ونداءٌ دائمٌ إلى السعادةِ والجمال، من الماضى إلى الحاضر ومن الحاضر إلى المستقبل.
يقول المستشرق ( أ.ج.آربري):
“لقد أنقذ الرومي العالم من القلق والاضطرابات قبل سبعمائة سنة، وأوروبا اليوم لن تستطيع أن تتخلص من معاناتها النفسية إلا عن طريق كتبه التي ألفها”.
أما “إيرانا ماليكوف” فتقول: “لئن قامت أمم العالم بترجمة كتب جلال الدين الرومي إلى لغاتها وقرأتها بوعي، لانتهت الحروب وأزيلت الحقود وانطفأت شرارات الكراهية والبغضاء بين البشرية جمعاء، ولانتشر الحب والسلام في كافة أرجاء الدنيا.
وقال المؤرخ المعروف “همر” قبل عصرين واصفًا “المثنوي” بأنه: “المرجع الأساس لأصحاب التصوف جميعًا؛ من نهر كانج إلى شواطئ البسفور”.
سلبيات كتاب جيهان أوقويوجوأغلب من قرأ كتاب “جيهان أوقوبوجو” انبهر جدًا بسلاسة اللغة وبالتدرج الواضح في تناول سيرة الرومي وشرح الكثير من أشعاره وأفكاره الخاصة. ولكن تبقى الترجمة كالمعتاد هي العائق الوحيد في نقل بعض المقاطع وشرح بعض الأفكار خصوصًا عند إصرار المترجم على النقل الحرفي للكلمات، خصوصًا أن الكتاب كما أوضحنا سلفًا مكتوب أصلًا باللغة التركية في حين أن أشعار الرومي لغتها الأصلية هي الفارسية! لذلك جاءت بعض -وخاصةً المقاطع الخاصة بأبيات الشعر- ركيكة جدًا من حيث الترجمة. بخلاف ذلك الكتاب يعتبر من أكثر الكتب التي تناولت سيرة الرومي وضوحًا وشمولًا.
في النهاية وكالعادة لا يسعنا أن نختم حديثًا عن شخصية مثل جلال الدين الرومي بهذه البساطة، فالحديث عنه يشبه أن تجذب طرفًا لخيط مجهول المصدر لا يمكنك الانتهاء منه مهما شددت الخيط! لذلك وجدت من اللائق جدًا أن نختم حديثنا ببعض من أشهر أقواله.
لا تجزع من جرحك، وإلا فكيف للنور أن يتسلل إلى باطنك.
القلب جوهر، والقول عَرض، القول زائل والقلب هو الغرض.
العاشق لا يعرف اليأس أبدًا، وللقلب المغرم كل الأشياء ممكنة.
اظهر كما أنت، وكن كما تظهر.