روايات القضية الفلسطينية …

فلسطين جُرحنا الذي لا يندمل، قضيتنا الأولى، التي علينا ان نتمسك بها بأي صورة كانت، فليس بالضرورة ان نحمل سلاحًا ونتوسط المعركة حتى نبدي تمسكنا بهذا الحق، هناك طرق أخرى قد تثقل من إنتماءك للقضية الفلسطينية، كالقراءة في تاريخها، إياك ان تفوّت معلومة إلا وتقرأها، انغمس في تاريخها، تشرّبها، إنتمي إليها أكثر.


رأيت رام الله

“الاحتلال الطويل الذي خلق أجيالا إسرائيلية ولدت في إسرائيل ولا تعرف لها “وطناً” سواها… خلق في الوقت نفسه أجيالاً من “الفلسطينين الغرباء عن فلسطين ” ولدت في المنفى ولا تعرف من وطنها غير إلا قصته وأخباره.”

ثلاثون عاماً من الغربة يجسدها مريد البرغوثي بشكل واقعي ومؤلم، يسرد تفاصيلها الصغيرة بإحتراف كبير، حقيقة؛ أنت لا تقرأ؛ أنت تشاهد فيلم وثائقي مذهل عن رام الله، تندمج فيه الكلمات مع الصور بإبداع!

فقد وصف الكاتب رام الله كما لم توصف من قبل، تصويره للتفاصيل اليومية في حياة الفلسطينيين، اللهجة المميزة، الحدود، نقاط التفتيش، الوجوه الإسرائيلية اللعينة، السماء التي تُمـطر رصاصًا، أشجار الزيتون، وصفه لكل شيء لم يكن عادياً.

ستعيش معه نازحاً مرة، وأسير مرة أخرى ، ويوماً شهيد، ستعرف أيضاً كيف يقف الفلسطيني بالساعات على الحدود بإنتظار الموافقة على العبور، وهو يعلّق عيناه على بندقية المحتل، خشية أن تأتيه رصاصة بغتة وهو ينظر بعيداً !

هذه الرواية المذهلة حازت على جائزة نجيب محفوظ للإبداع الأدبي عام1997، وتمت ترجمتها للإنجليزية، أنصحك بقراءتها.


ذاكرة اللوز

“الطفل الذي يمشي حافياً في المخيم، لا يعري فقط قدميه، يعري العالم أجمع من إنسانيته.”

الرواية الأولى ليامن نوباني، الذي لم يكمل عقده الثالث بعد، في حين أن حروفه قد أتمت عقدها الخامس إن لم يكن أكثر !

ويتضح ذلك في النضج الذي يعتري حروفه،وأسلوبه القوي، ومثله مثل أي كاتب فلسطيني لابد ان يلامس الواقع الفلسطيني في كتاباته، ولابد أن تأخذ فلسطين الجزء الأكبر من الكتاب، ففلسطين دائماً وأبداً كانت البطلة .

ورغم الصعوبات التي واجهت الكاتب من قبل دور النشر، إلا ان الكتاب لاقى إعجاب ونجاح كبيرين ، الكتاب عبارة عن نصوص وخواطر شعرية ولكن يغلب عليها الصبغة الروائية، بسيط ومليء بالصور الإبداعية .


أعراس امنة 

“الذي يجبرنا على أن نزغرد في جنازات شهدائنا هو ذلك الذي قتلهم، نزغرد حتى لانجعله يحس لحظة أنه هزمنا وإن عشنا سأذكرك أننا سنبكي كثيرا بعد أن نتحرر..!”

رواية لإبراهيم نصر الله، صدرت عام 2004، تناقش الواقع الفلسطيني لا من المنظور السياسي، بل الإجتماعي فقط، تركز على جانب مختلف في القضية الفلسطينية، حيث تظهر مدى قوة الشعب الفلسطيني ، وكيفية تحمله لكل هذه المآسي بصبر وجلد لا يفنيان.

إبراهيم نصر الله أروع من يكتب عن فلسطين، وتعتبر هذه الرواية من أواخر ما كتب في سلسلته (الملهاة الفلسطينية) ، مجموعة من الروايات تناقش القضية الفلسطينية ، ملحمة فلسطينية بحق!

بدأها عام 1985 وتتضمن 8 روايات حتى الآن، وعن نهاية هذه السلسلة قال إبراهيم نصر الله: ” الملهاة الفلسطينية لم تنتهي، ولن تنتهي مادمت حياً” وهذا خبر رائع ، ما يعني أنه لازال هناك روايات خرافية في إنتظارنا.


أم سعد

“الحبوس أنواع يا ابن العم! أنواع المخيم حبس وبيتك حبس والجريدة حبس والراديو حبس والباص والشارع وعيون الناس.. أعمارنا حبس والعشرون سنة الماضية حبس والمختار حبس تتكلم أنت عالحبوس؟ طول عمرك محبوس!”

غسان كنفاني المناضل الفلسطيني الذي قدم حياته دفاعاً عن القضية الفلسطينية، يجسد لنا أيقونة في نضال المرأة، وخاصة المرأة الفلسطينية في روايته “أم سعد” التي صدرت عام 1969.

هذه الرواية تمثل حياة كل ام فلسطينية ،والابن سعد هو كل طفل فلسطينى كبر على عجل من أجل قضية تنتظره، وسلاح يشتهي ان تحمله أكتافه.

تدور أحداث الرواية حول إمرأة تدعى “ام سعد” تعيش في المخيم 20 عاماً، وتعاني  هى وابنها من ظلم الاحتلال، والذي سيسجن في نهاية الأمر ، الرواية مأساوية كواقعنا، اسلوب غسان كنفاني ليس بحاجة لإطراء ومدح، سيرته تتكفل بذلك!


زمن الخيول البيضاء

“إذا خسر اليهود فإنهم سيعودون إلى البلاد التي أتوا منها، أما إذا خسرنا نحن، فسنخسر كل شيء.”

رواية أخرى لإبراهيم نصر الله؛ رواية “زمن الخيول البيضاء” من أهم وأشمل الروايات التي تم بها تصوير النكبة وبداية الشتات الفلسطيني، كما انها الرواية الأشهر في سلسلة (الملهاة الفلسطينية).

تبدأ أحداث الرواية في عصر الدولة العثمانية، وتنتهي بخروج الإنجليز وتسليم فلسطين إلى الصهاينة، الرواية مكتظة بالمعلومات والأحداث طيلة هذه الفترة، لذلك يعتبرها البعض كتاب تاريخي بسبب تركيزها على الجانب التوثيقي في سرد الأحداث والذي طغى على الجانب الإبداعي والفني في الرواية.

ويقول إبراهيم نصر الله ان ما دفعه لكتابة هذه الرواية محاولته لفهم ما حدث، وكيف إنقلبت الآية بهذا الشكل المروع حتى يُقتلع أصحاب الأرض من أرضهم، حيث أنه ينتمي إلى جيل ما بعد النكبة، ولم يجد ممن سبقوه أحداً كتب بالتفصيل عن ظروف النكبة.

قام بكتابة هذه الرواية خلال أربع سنوات، ولم تكن مصادره كتب التاريخ فقط، بل كان يجتمع بكبار السن الذين عاصروا النكبة ويحاورهم ليتمكن من فهم ما لم يوثق، وما غاب عن الكتب.

وتناقش الرواية حالة المجتمع قبل حرب 48 ،وكيف بدأ اليهود بإحتلال الأرض بالشراء ،مما آل بالفلسطينيين في النهاية  إلى أن يجدوا أنفسهم في عربات التهجير في طريقهم خارج الوطن!