رحلة في عالم يوسف السباعي

عالم يوسف السباعى

فى هذا العالم نرى الأرستقراطية البسيطة، فمهما علا شأن يوسف السباعى نجده دوماُ يتذكر بداياته والشارع الذى عاش به طفولته، وحديثة عن فترة العوز والفقر فى الفترة التى تلت وفاة والده المفاجئة وتركه لعائلته دون دخل يذكر.

الوطنية جانب مهم فى كتابات يوسف السباعى، ولايعنى هذا ان كتاباته موجهه او لتصدير فكر معين لكن كونه فرد من أفرد الجيش المصري، وحضوره ثورة يونيو ومشاركته فى العديد من الأحداث فى ذلك الوقت.

لابد وأن يكون له أثر على كتاباته، وتظل رومانسية يوسف السباعى حاضرة حتى فى كتاباته السياسية، ولم يدخل نفسه فى ألعاب السياسة الملتوية بل أكتفى فى كل المناصب التى تولاها فى مرحلة مابعد الثورة بالمناصب الثقافية المختلفة، وقد كان على يقين أنه نشر الثقافة والسمو بالعقل والنفس الإنسانية  بها من الفوائد للأمه أكثر من أى مجال أخر.

بداية يوسف السباعى الأدبية  قابلتها بعض المصاعب، فالكثيرون على الساحة الأدبية حاربوه، بل اتهمه البعض بأن مجموعته القصصية الأولى كانت من تأليف والده محمد السباعى ونسبها هو لنفسه ، لكن لم يستطيع أن يصمد هذا الإدعاء أمام مجموعته الثانية و الثالثة.

و من الصعب أن تجد فى أعمال أديب واحد كل هذا التنوع الذى يمتلكه يوسف السباعى، فمن يقرأ أرض النفاق و جمعية قتل الزوجات وأم رتيبة يشعر أنه أمام كاتب يمتلك من خفة الدم ورشاقة القلم الكثير، ولا يستطيع أن يتخيل انه من كتب روايات مأساويه مثل نحن لا نزرع الشوك، والسقا مات، و التى تناولت طبقات من المجتمع تعانى الكثير من الالام ولا يشعر بها أحد.

وكذلك من الصعب تصديق ان هذا الكاتب الذى كتب روايات و قصص ساخرة تنقد المجتمع وعيوبه بمنتهى الصراحة، فى نائب عزرائل، والبحث عن جسد، ويا أمة ضحكت، وغيرها.. هو صاحب النظرة الرومانسية فى روايات مثل رد قلبي، و فديتك ياليلى، وليل له اخر، وغيرها من المجموعات القصصية.

ومن خلال قرأتى لأغلب أعماله المتواجده والمنشورة حاليا، إن لم يكن كلها لاحظت هاجسه عن الموت المستمر، فنراه يذكره كثيراُ بل جعله بطلاً لروايتين من رواياته، ويكتب عن نفسه ميتاً فى أكثر من قصصها منها القصة الأخيرة فى مجموعته ليلة خمر، وأعتقد أن وفاة والده المفاجأه أورثته نوع من الفلسفة الخاصة حول الموت كانت تظهر رغماُ عنه فى أعماله الأدبيه.



تأثر السباعي بالنماذج البشرية من حوله

من المعتاد أن يتأثر الكاتب فى كتاباته بالنماذج البشرية من حوله و يقتبس منهم شخصياته مما يضفى عليها سمة الواقعية.

وأكثر نموذج تأثر بيه يوسف السباعى هى زوجته دولت السباعى، وقصة حبهما التى دامت لسنوات ، نجد شخصية دولت فى أنجى حبيبة على فى رواية رد قلبى ، ونجده يصف لوعته فى حب أبنة عمه التى كان يرفض عمه زواجه منها فى الرواية من خلال حب على و نجواه لأنجى.

وفى روايته إنى راحلة ، يتكرر وجود هذا التشابه، فنجد البطل أحمد ضابط فى الجيش مثلما كان يوسف السباعى ذاته ، ويحب أبنة خالته مثلما كان يحب هو أبنة عمه ، ويرفضه أباها لكن تخيل فى الرواية الاسوأ حيث يزوجها الأب لشخص أخر لتنتهى الرواية بنهاية مأساوية حين يموت أحمد بين ذراعى حبيبته والتى تنتحر لتشاركه موته بعد أن عجزت عن مشاركته حياته.

أما عن والداه فنجدهم فى رواية نحن لا نزرع الشوك فى شخصيات والدى حمدى ، الأب الكاتب المتفائل الذى يحب الحياة رغم انها لم تعطه الكثير، والذى يضفى جو من المرح والمحبة على المنزل ، ثم صدمة ابنه حين يتوفى بين يديه بصورة مفاجئة بعد مرض قصير.

وحالة اليتم التى لم تفارقه حتى مات، كل هذه التفاصيل هى تفاصيل حياة وموت الأديب محمد السباعى ، أما عن والدته فنجدها فى ذات الرواية السيدة المكافحة الجادة التى تحاول أن تنشئ أولادها على نظام، وقواعد وتخاف عليهم طوال الوقت، من كل شئ وأى شئ ، والتى تصدم بعد وفاة زوجها لكن ترفض مساعدة أى شخص وتصر على تربية أولادها وحدها حتى أنشأتهم رجال يشار لهم بالبنان.

أما عن أخوته فنجده يجسد شخصية أخيه محمود فى أخى على فى رواية رد قلبى التى أبدع فى تجسيدها صلاح ذو الفقار فى الفيلم المأخوذ عن الرواية.

هذه الشخصيات التى نعرفها لكن هناك شخصيات أخرى أثرت على رواياته، مثل نادية الملهمة التى أهداها رائعته ناديه والتى قامت بتثميلها فى فيلم سعاد حسنى، فمن المؤكد أنه قابل نادية وتأثر بها حتى أللهمته أحدى أروع رواياته.

ولمعرفة المزيد عن حياة يوسف السباعى من الممكن قراءة ” بين أبو الريش وجنينة ناميش ” التى كتب فيها عن مواضع طفولته وصباه، ” ومن حياتى ” التى حكى فيه عن شبابه و قصص من مراحل حياته المختلفة، و “طائر بين المحيطين” الكتاب الذى أرخ فيه لرحلاته المتعدده التى قام بها خلال حياته الحافلة بالمناصب والتى كانت أخرها وزير الثقافة قبل أن يتم أغتياله فى قبرص.