“بكرة بيخلص هالكابوس، وبدل الشمس بتضوي شموس”
عبارة قصيرة معبرة استطاع من خلالها الشاعر “فادي الراعي” أن يرسم صورة فى أذهاننا للأمل وانتهاء الألم وشروق شمس التفاؤل من جديد، ليس هذا فقط فبمجرد أن تقرأ هذه العبارة سوف تشعر بالأمل يفيض من قلبك ليقتل اليأس، وتزداد حماستك تجاه الغد الأفضل، وتشعر أن شمس الأمل أشرقت لتنير العالم وتخلصك من الليل الطويل المليء بالألم والمعاناة.
هذا ما كان دائماً ينتظره العالم من الشاعر والكاتب المبدع، أن يطل عليهم في الأزمات والمحن ليعبر عن ما يدور في عقولهم ولا تقدر ألسنتهم أن تعبر عنه، فيكتب عدة أسطر يؤرخ من خلالها ما يمرون به من أزمات سواء كانت شخصية مثل فقدان الأحبة أو موت عزيز، أو كانت أزمة عالمية كالحرب، والمجاعات، والحجر الصحي وغيرها الكثير، ويبعث في نفوسهم الأمل وينير قلوبهم الذي أنطفأ نورها من شدة المعاناة واليأس.
الفرق بين الكاتب والأديب
دعنا في بادئ الأمر نتعرف على الأشخاص الذين يحملون شعلة الأمل في نفوس الآخرين وهم قسمين:
القسم الأول يُطلق عليهم لقب “الكاتب”
وهم يكتبون الروايات، القصص القصيرة، أو المقالات. وقد يكون الكاتب صحفياً أو ناقلاً للأحداث، وفى الغالب يكون كاتباً في مجال واحد من مجالات الأدب، وعلى الرغم من أنه شخص يكون واسع المعرفة ويمتلك كثيراً من المهارات؛ إلا أنه قد لا يمتلك أعمالاً مميزة أو إبداعية.
القسم الثاني يُطلق عليهم لقب “الأدباء”
هم أشخاص لديهم قدرات إبداعية مميزة، قادرة علي صياغة الكثير من أشكال الأدب، فهم الشعراء وأصحاب الروايات والقصص والقادرون علي كتابة الدراسات والنقد وحتي السيرة الذاتية، فهم أشخاص ذوي نظرة فلسفية وعلمية ومعرفية كبيرة، مثل الأديب العظيم “طه حسين” الذى عندما تبحث في أعماله تجد الشعر والقصص والروايات وكثير من الأعمال الإبداعية المميزة.
أى أن الأديب هو شخص أقدر من الكاتب على صياغة أشكال مختلفة من الأدب والفنون وغيرها، فالكاتب ربما يقتصر دوره على صياغة الأحداث أو نقل المعلومات بأسلوبه المميز.
صفات الأديب المبدع
أن يكون صاحب رسالة.
أن يكون قارئاً، مطلعاً على مختلف العلوم عبر التاريخ.
يمتلك خيالاً واسعاً وخصباً.
متفاعلاً مع متطلبات عصره.
أن يكون على معرفة بمبادئ الكتابة ومقوماتها.
لديه فكر متجدد، ويسمح بتقبل الثقافات والآراء المختلفة.
أدباء وكُتَّاب أبدعوا تحت الضغط النفسي والمادي
الأديب العالمي “نجيب محفوظ“
عاش نجيب جزءاً من طفولته فى أيام الاحتلال الإنجليزي، ومر بالكثير من الأحداث السياسية والإرهابية، ومعظم فترات حياته كان من ذوي الدخل المادي المحدود. كتب وصاغ محفوظ العديد من الأعمال التي تؤرخ فترات الأزمات العامة كالثوارت والاحتلال مثل: “بين القصرين”؛ فأبدع فيها ليرسم وضع أسرة مصرية وما طرأ عليها من تغييرات قبل وأثناء ثورة 1919، وكذلك التغييرات في المجتمع المصري والعلاقات الإنسانية خلال فترة الاحتلال وأيام الثورة.
ومن أعظم العبارات التي كتبها في الراوية ليدين الإرهاب والاحتلال هي:
” إذا لم نقابل الإرهاب بالغضب الذي يستحقه فلا عاش الوطن بعد اليوم، لا يجوز أن تنعم البلاد بالسلام وزعيمها الذي قدم نفسه فدية لها يعاني عذاب الأسر…!”.
ولم يتوقف إبداع نجيب على الأحداث السياسية والوطنية والأزمات العامة، فهو صاحب ملحمة “حديث الصباح والمساء” التي تحدثت عن الأدوار الاجتماعية وموقف الإنسان في جميع الطبقات وشعوره تجاه الموت والحياة والأحداث العامة كالاحتلال الإنجليزي، ليؤكد على أن الأديب المبدع هو القادر دون غيره على رسم وصياغة معاناة الإنسان فى كافة الجوانب.
ولا أُخفي عليك أن معظم كتابات “نجيب محفوظ” وأعماله كانت فى فترة الاحتلال والحروب وحرب الاستنزاف، وبالطبع كان يُعاني مثل غيره من ألم الحرب والاحتلال والضغط النفسي والمادي الكبيرين، ولكنه اختار هذا الطريق ليترك لنا هذا النتاج الأدبي العظيم.
أحمد شوقي بك “أمير الشعراء”
أعظم شعراء العصر الحديث، عاصر الاحتلال الإنجليزي وعارضه كثيراً، عانى كثيراً في حياته وتعرض للسجن والنفي عدة مرات، ولكنه لم يستسلم للألم والنفي وفراق الأهل والأحبة، بل ظل يكتب ويبدع حتى عاد إلى وطنه وأكمل مسيرته العظيمة، ومن أعظم الأبيات التي جسد من خلالها شوقي معاناته وشوقه وحبه لوطنه في المنفى كانت:
يا ساكني مصر إنا لا نزال على عهد الوفاء وإن غبنا مقيمينا
هلا بعثتم لنا من ماء نهركم شيئاً نبل به أحشاء صادينا
كل المناهل بعد النيل آسنة ما أبعد النيل إلا عن أمانينا
ولم يتحدث شوقي فقط عن معاناته الخاصة في أعماله، بل تحدث عن مشاكل عصره كالطلاب والجامعات، وأيضاً اهتم بالأطفال وتثقفيهم في هذه الفترة وكتب لهم العديد من القصص، حتى الأعمال الأدبية ذات الطابع الديني تطرق إليها فهو صاحب “البردة” التي مدح فيها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
جوان رولينغ Joanne Rowling
كاتبة سلسلة روايات “هاري بوتر” الشهيرة. قامت جوان بتأليف هذه السلسلة بعد أزمة طلاقها، وتعرضها لضائقة مادية كبيرة، حتى اضطرت إلى الانتقال للعيش فى منزل أختها، وأثناء تأليفها لهذه السلسلة فُجعت بوفاة والدتها التي أثرت بشكل بالغ في أجزاء كثيرة من الرواية، فظهر جانب كبير من الحزن في شخصية البطل “هارى بوتر” لفقدان والدته، أي أنها كانت تعاني صدمة الطلاق ووفاة الأم والضغط المادي الكبير، ولكنها لم تستسلم وأكملت السلسلة. وبعدما أنهت السلسة لم تلقَ إعجاب الناشرين، وتم رفضها من الناشرين، ورفضت أن تستسلم مرة أخرى حتى اقتنع بها أحد الناشرين. قاومت جوان جميع الظروف والضغوطات العامة والشخصية حتى آمن العالم بموهبتها وخيالها غير المحدودين.
محمد صلاح الدين بهجت أحمد حلمي “صلاح جاهين”
يأسك وصبرك بين إيديك وأنت حر
تيأس ما تيأس الحياة راح تمر
أنا دقت من ده ومن ده وعجبي
لقيت الصبر مر وبرضه اليأس مر
جاهين المُبدع دائماً؛ وإن كان هذا الوصف قليلاً على ناتجه الأدبي من أشعار وأفلام وقصص متنوعة كانت ولا تزال مصدر إلهام للكثيرين. عاصر جاهين فترة حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، وكان من أول الشعراء المؤمنين بالجيش المصري، وأحب الوطن والزعماء فى هذه الفترة، وظهر ذلك في كثير من أعماله وبالأخص “راجعين بقوة السلاح”. ولكن كانت الهزيمة وموت الزعيم جمال عبد الناصر سبباً فى إصابته بالاكتئاب، وفى هذه الفترة صاغ واحدةً من أهم وأعظم أعماله “الرباعيات”، وتملّكه بعد ذلك الاكتئاب وتوقف عن الكتابة لمدة 6 أعوام، وبعد ذلك لم يستعد جاهين تألقه وتوهجه الفني الشامل.
الصحفيون ومحررو الأخبار وكتاب المقالات
لن أستطيع هنا أن أذكر أحدهم دون الآخر؛ فمن منهم لا يُعاني بطريقة أو بأخرى؟! فهو ينقل إليك الخبر الذي تريد أنت أن تقرأه وتسمع عنه وليس ما يريد هو أن يكتب، فربما هذا الكاتب يدفن أعز أصدقائه ويتجه إلى إحدى المهرجانات؛ ليكتب لك عن فعاليته وينقل لك روح البهجة والمغامرة ويخفي شعوره، أو ربما يترك عُرس أخيه لينقل إليك تفاصيل وفاة أحد المشاهير. ولا يتوقف الأمر عند الضغط النفسي فقط، بل ربما يكون هذا مصدر رزقه الوحيد ويمثل ضغطًا ماديًّا عليه، ومطلوب منه أن يكتب ويبدع سواء كان حزينًا أو مريضًا أو يريد الانعزال لفترة؛ فتجده يضع والدته في المستشفى ويذهب ليكتب لك مقالًا عن السعادة ومصدرها، فلكم منا تحية إجلال وتقدير لكل ما تقدمونه من أعمال عظيمة.
تأثر الأدب بالظروف العامة وآراء الأدباء
بالتأكيد يتأثر الأدب بكافة جوانبه بالظروف التي يمر به كاتبه، أو المجتمع من حوله، فيتنوع ويتغير وتظهر أنواع جديدة وغريبة، ويظهر ذلك في:
الشعر وجوانبه المختلفة
نفي الشعراء إلى الدول الغربية، أدخل تلك الثقافة الغربية في الشعر العربي، بل الأحداث العامة ومتغيرات العصر أثرت فى الشعر أيضاً، فظهر لنا “الشعر الحر”؛ الذى يعبر عن نفسية وآمال وطموحات الإنسان المعاصر.
الروايات
ترجمة الرواية من لغة إلى أخرى، واختلاط كتابها بثقافات وجنسيات مختلفة أثر في بنائها وأنواعها.
القصص القصيرة
فكاتب القصة الذي عاصر الحرب والمجاعة والحجر الصحي وانتشار الأوبئة سيختلف عن غيره بالطبع، سينقل لك قصصاً لولا المآسي والمحن كانت ستظل بعيدة عن أذهاننا.
المقالات
الظروف المحيطة والأحداث كالتي نمر بها الآن من انتشار وباء “الكورونا”؛ تتطلب أن ينقل لك الكاتب مقالات توضح طبيعية المرض وكيفية التعامل مع الأزمات، والتداعيات الضرورية لمحاربة المرض وغيرها من المواضيع المتعلقة بالوضع الراهن.
الأخبار والمقالات الصحفية
هى الناقل الأول والمباشر لما يحدث حولك في العالم، فتتأثر بالظروف المحيطة، فإذا كان يعاني العالم من الحرب فلن تجد خبراً يخلو من أحداث الحرب، حتى وإن كان في مجال مختلف فستجد للحرب لها أثر أو تدخل فيه.
يُستثنى من ذلك الأدب المكتوب تحت الضغط المادي بأشكاله المختلفة، فهنا الكاتب مجبر على الالتزام بموضوعات معينة أو اتجاه محدد، فربما تجد العالم يُعاني من وباء عالمي؛ وهو يتحدث عن كيفية الاعتناء بحيوانك الأليف.
وهناك اتجاه آخر من الأعمال الأدبية التي يبتعد صانعها عن الأحداث الجارية، ويختار العيش بعيداً عن الواقع المؤلم، فيغلق عينه عما يدور حوله، ويطلق العنان لخياله فيكتب قصة سعيدة أو مقالة تساعدك على التفكير في موضوع شيق؛ تكتشف من خلاله فكرة جديدة أو جانب آخر من شخصيتك، أو يسطر لك أبياتاً من الشعر مليئة بالأمل والتفاؤل تثري روحك ووجدانك.
رأي المجتمع تجاه الكتابات المتأثرة بالأحداث
“من رحم المعاناة يُولد الإبداع”
عبارة يمكنها أن تكون علي غلاف كتاب يتحدث عن الأدباء وسيرتهم الذاتية، فمن منهم لم يُعاني ولم يتألم؛ بالأخص وهم أصحاب المشاعر الفياضة، فلا شوقي اختار المنفى، ولا محفوظ اختار أن يقضي طفولته فى ثورات واحتلال، وبالطبع لم تختر جوان موت والدتها؛ لتجسد ألم ومعاناة فقد الأم في روايتها. وعلى الرغم من ذلك لم يستسلموا للمعاناة، واختاروا طريق الإبداع، فلم يتوقفوا عن الكتابة ونقل الأحداث والخبرات الحياتية المختلفة.
ولكن الجنس البشري لن يتوقف يوماً عن إذهال العالم، فكثير من الناس لم تعجبهم هذه الأعمال حيث:
· اتُهم الأدباء المتأثرون بالأدب الغربي أنهم يدخلون ثقافات وأفكار شاذة تفسد مجتمعاتنا العربية المحافظة.
· بعض المفكرين اتهمهم النقاد بالخيانة، وأشهرهم: جاهين، عندما ألّف مجموعة من الأعمال تسعد المواطنين وتخفف عنهم ألم الحرب، فاتُهم بخيانة الوطن.
· البسطاء وعامة الشعب أطلقوا على كثير من الشعراء أصحاب الأبيات التي تبعث الأمل وتتحدث عن انتهاء الأزمات وانفراج الكربات بأنهم “بائعو الوهم”، فهم يتحدثون عن أمل غير موجود، ولا يحترمون تفكيرهم ومشاعرهم.
ولأن لكل شيء نقيضه، فأيضاً كان هناك من يُقدر هذه الأعمال، وينحني أمام شاعر كتب أبياتاً تبعث الأمل وهو محاصر كغيره باليأس، حتى مؤلفات جاهين وغيره اعتبرها الحكماء نقطة سوداء وحيدة في صرة أعمالهم البيضاء العظيمة؛ التي يجب أن تغتفر ولا ننظر إليها، ومن يقدر هذه الأعمال هم بالطبع من ينظرون للأدباء على أنهم بشر، يتأثرون كغيرهم ويخطئون في كثير من الأحيان، فهم مهما وصلوا إلى أعلى مراحل الإبداع لن يصلوا إلى الكمال فهو صفة إلهية، لن يمتلكها إنسان مهما حدث.
عزيزى المبدع، سواء كُنت كاتباً لقصص أو مقالات، فناناً تشكلياً، نحاتاً أو مُبدعاً في مجال آخر، أنر الكون بإبداعك، فلولا أبيات شعرك ما وجدنا كلمات تعبر عما نشعر به، ولولا مقالك عن الأزمة الحالية والإجراءات اللازمة للتخلص منها، ما نُقلت إلينا المعرفة ونُشر بيننا الوعي للتخلص منها، وبدون روايتك عن الحرب والاحتلال ما نُقل إلينا التاريخ وتفاصيله، أو اصطُحِبنا معك في رحلة يصنعها خيالك الخصب، ترسم على وجوهنا من خلالها الابتسامة وتنسينا مرارة الواقع.
تأكد يا عزيزي أننا ننتظرك لتطل علينا من منصتك أياً كانت، وتترجم مشاعرنا وترتب أفكارنا الحائرة وتبعث في نفوسنا الأمل، وتضع بلمستك السحرية السعادة في قلوبنا، فأنت الوحيد القادر أن تحدثنا عن كارثة طبيعية من خلال قصة فكاهية تُنسينا بها هول الكارثة، فنحن نُقدر إبداعك، ونرفع قبعتنا وننحني احتراماً له، فلا تلتفت لمن يريد منك التوقف أو يتهمك بالكذب والخيانة أو غيرها من الاتهامات الكاذبة، فنحن نستمتع بأعمالك أياً كان نوعها أو طبيعتها ونساندك، فمن كان بلا خطيئة فليقف أمامك ويحكم على إبداعك وأعمالك العظيمة التي ربما يشوبها خطأ بسيط.