قد لا يبدو الاسم غريباً لمتابعي الدراما التركية، فقد ترددت الكثير من الأخبار عن تحويل رواية “جودت بيك وأبناؤه” إلى مسلسل تلفزيوني أكثر من مرة، لكن ما لا يعرفة الكثيرون عن الرواية هي أنها لكاتب مثير للجدل، له الكثير من التصريحات السياسية الجريئة التي تتعلق بالإبادة الجماعية للأرمان وبالحقوق السياسية للأكراد، كما أقيمت ضده الدعاوي القضائية الأمر الذي اضطره إلى مغادرة بلاده، ثم عاد أليها مرة أخرى قبل حصوله على جائزة نوبل في الأدب عام 2006.
من هو أورهان باموق؟
أورهان باموق
ولد باموق في اسطنبول سنة 1952 في أسرة ثرية مثقفة وصفها فيما بعد في روايته “الكتاب الأسود” و”جودت بيك وأبناؤه”، درس العمارة في جامعة اسطنبول التركية، حيث كان يظن أنه يسير على النهج الصحيح لتحقيق أحلامه، ولكنه لم يلبث أن ترك دراسة الهندسة بعد ثلاث سنوات، ليصبح كاتباً متفرغاً ويدرس الصحافة سنة 1976.
بدأ في كتابة روايته الأولى “النور والظلام” أثناء دراسته في المعهد وبحث لها عن ناشر. وصدرت الرواية لأول مرة 1982 تحت عنوان “جودت بيك وأبناؤه” والتي فازت بجائزة (أورهان كامل) في تركيا عام 1983. ويقول باموق عن نفسه أنه “مسلم مثقف يربط الهوية التاريخية والثقافية مع الدين بينما لا يؤمن بالصلة الشخصية مع الله”.
الحكاية في “جودت بيك وأبناؤه”
تحكي الرواية التي كتبت في 700 صفحة عن حياة أسرة تركية ثرية في ثلاثة أجيال متعاقبة، عن التغيرات السياسية والاقتصادية والشخصية التى حدثت لهذه الأسرة على مدى هذه الفترة، فنجد في الفترة الأولى (بداية الرواية) عام 1905: (جودت) التاجر المسلم المحاط بالتجار المنافسين من اليهود والروم والأرمن كما كانت اسطنبول في هذه الفترة حتى نهاية العهد العثماني.
لم يختر جودت مهنته كتاجر خردوات لكنه كان مهتماً بالتوسع فيها، كان يبحث دوماً عن الاستقرار ربما ليعوض أحساسه بالفقد الذي عانى منه طيلة حياته فقد مات أبوه في طفولته ولحقت به أمه بعد إصابتها بالسل، في حين هاجر شقيقه (نصرت) إلى فرنسا ليجرب التعايش في مجتمع مخالف تماماً للمجتمع التركي في ذلك الوقت.
على الرغم من اختلاف مكان الشقيقين فقد عايش كلاهما إحساساً مختلفاً للغربة والاغتراب، فـ (نصرت) بالفعل غريب على المجتمع الفرنسي بينما (جودت) يشعر بالغربة بسبب سيطرة منافسيه من اليهود والأرمان على التجارة في اسطنبول في ذلك الوقت.
في الفترة الثانية: تبدأ عام 1938، تظهر جودت بيك في سنواته الأخيرة وتبرز شخصيتي أبنائه عثمان ورفيق. الذي أعتقد أنه يمثل شخصية الكاتب في فترة ما من حياته بنفس تخبطه في اتخاذ القرارات ومشكلة فقدان الهوية التي تظهر في أغلب كتاباته.
الفترة الثالثة: تبدأ عام 1970 وتظهر شخصية أحفاد جودت بيك، وزوجته نيغان هانم في سنواتها الأخيرة، تعيش اسطنبول فيها أجواء التيارات الثورية المختلفة المتحفزة من أجل انقلاب عسكري، وصراع ابن رفيق من أجل إرثه.
منزل جودت بيك الذي تدور داخله أحداث الرواية كلها يقع في حي (نيشان تاش) وهو نفس الحي الذي عاش فيه الكاتب منذ طفولته، والرواية مليئة بالتفاصيل الإنسانية الدقيقة وغارقة في مناقشة الأيدولجيات المختلفة.
آراء نقدية تخص الرواية والكاتب
تميز باموق عادةً بالارتباك وفقدان الهوية الناجم جزئياً عن الصراع بين القيم الشرقية والغربية وبين الحداثة والتقاليد، شخصياته معقدة ومركبة لها علاقة بالفن والمناقشات الفلسفية والتأملية.
حاول بعض النقاد أن يربط بين الرواية وبين ثلاثية نجيب محفوظ من حيث الوصف والتفاصيل وفكرة التسلسل الزمني للأسرة الواحدة والتطور والتغير في الشخصيات، ولكن تبقى أجواء نجيب محفوظ متفردة بإغراقها في الأصالة وتماسك الحبكة الدرامية، في حين رأى بعض النقاد أن أجزاء من كتابات (باموق) مستوحاة من كتابات أخرى، الأمر الذي لم ينفيه هو نفسه في بعض مقابلاته.
كما أخذ البعض على الرواية التطويل الذي يصل لدرجة الملل في بعض أجزائها. لكن الأمر يعود إلى أسلوب الكاتب ونمطه الخاص في وصف أفكار الشخصيات.
أعمال أخرى للكاتب
يمكن للقارئ المهتم أن يطلع على بعض أعمال باموق الأخرى مثل رواية (أسمى أحمر) التى نشرت عام 1998 و رواية (الثلج) التى نشرت عام 2002 والتي تتناول فكرة الصراع الدائر في تركيا الحديثة بين المسلمين والأفكار المستحدثة من الغرب، وأيضاً رواية (متحف البراءة) التى نُشرت عام 2008.
في النهاية يجب أن نذكر أن (باموق) يعد من أفضل كتّاب تركيا المعاصرين، وتتم ترجمة أعماله إلى العديد من اللغات فور صدورها ويتم تحويل بعض أعماله إلى أعمال سينمائية ودرامية ناجحة، وستظل تجربة القراءة له من أفضل التجارب الممتعة لمحبي الاطلاع على ثقافات مختلفة.
و يمكنك تحميل الرواية من خلال هذا الرابط : تحميل رواية جودت بيك و أبناءه pdf