الكلمة الطيبة تفعل فعل السحر الشافي لقلوبنا وأرواحنا، بينما تأتي كلمات الغضب من سب وقذف وإساءة لتؤذي مشاعرنا وتصيبنا بالإحباط والهزيمة النفسية، وهو ما عبر عنه العلماء بالعنف اللفظي .
وجاء تعبيرالخالق العظيم في محكم كتابه ليبرهن على الأثر الكبير للكلمة الطيبة ويصفها بالشجرة الطيبة التي تؤتي أكلها في كل حين، بينما حذرنا من الكلمة الخبيثة وشبهها بالشجرة الخبيثة التي أجتثت من فوق الأرض وما لها من قرار..!!
وفي الأثر الشعبي "لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك " كما يقال الملافظ سعد، فالكلمة التي ينطقها الإنسان إما أن تصون كرامته وتنشر قيم التسامح والود والتعاون، وإما تكون قنبلة موقوتة تدمر الأخضر واليابس وتهدم سلامة المجتمعات بما تحمله من عنف وقسوة .
وقد أفادت الدراسات اللسانية عن ظاهرة العنف اللفظي وتتمثل في قول الكلام البذيء والسب والشتم أنها تعد قاسما مشتركا بين كل اللغات الإنسانية، حيث تمحور معظم الكلام غير المهذب في كل اللغات حول الإساءة بالألفاظ السيئة بما فيها من تحقير للآخر واستلاب لقدرته وإرجاعه لدرجة الحيوان أو حتى الجماد.
بينما تتباين ردود افعال الناس من العنف اللفظي، فمنهم من يندد به ويدعو للتصدي له وردع مستعمليه بكل الوسائل حتى لا يستفحل هذا "الداء" الإجتماعي بما يحمله من إساءة للعرف والأخلاق الحميدة، بل ويذهبون إلي الزج بالسجن لكل من يتفوه بالسب واللعن، بينما تراه فئات اجتماعية من قبيل موضة، وأنه لا فائدة ترجى من الصد والزجر.
سيقت العديد من التبريرات حول أسباب لجوء بعض الفئات الإجتماعية لممارسة العنف اللفظي من ألفاظ بذيئة خاصة لدي الشباب وفي سن المراهقة، فأوضحوا أن المراهقين يحاولون البرهنة على أنهم أصبحوا في مصاف الرجال و ودعوا الطفولة البريئة، والبعض الأخر يرى فيه ترويحًا عن النفس .
ومن منظور علماء الألسنة، فأن العنف اللفظي أو أي تفوه بالسب أو الشتم يمثل عملية تنفيس مؤقتة يتمكن بواسطتها الشاتم من تمييز نفسه (الفاعل) في مرتبة أعلى من المشتوم (المفعول به)، وبذلك يشعر بالراحة النفسية، وكثيرًا ما يشبه اللسانيون العنف اللفظي بتعويض للعنف الجسدي أو كمرحلة وسطى أو متقدمة للعنف الجسدي، وقد بينت الكثير من الأبحاث كيف أن الكلام البذيء قد تحول على المستوى الفردي أو المجتمع لعنف جسدي.
والغريب في ظاهرة العنف اللفظي أنها لا ترتبط بتراجع الوازع الديني، فبالرغم من حضور الوزاع الديني لدى الكثير من الشباب من كل الديانات، لكن نجدهم لا يحافظون القيم الأخلاقية داخل أديانهم .
التربية والأخلاق من المفترض أن تُغرس في الصغر بداخل الأسرة نفسها والقدوة الحسنة من الأهل والجيران والمجتمع كما يدرب عليها الأطفال في المدارس من قبل المدراء والمدرسين والمشرفين وتساعد قصص الأطفال في زرع هذه القيم وتهذيبها كما تسهم وسائل الإعلام بكافة انواعها في تهذيب الأطفال إلا أنه أحيانا او في كثير من الأحيان نجد أن كل هؤلاء يفعلون العكس من المرجو منهم.
ويري العلماء أن العنف اللفظي يظهر نتيجة للتقصير والعجز في التواصل بطريقة أفضل. ولا يجب السكوت عن هذا التقصير لما يمكن أن يخفيه من عجز عن التواصل ضمن المجموعة الواحدة قد ينمو بسرعة ويفضي إلى رفض للآخر.
يتنوع العنف اللفظي عبر مراحل الانسان المختلفة فهناك عنف ضد الأطفال وعنف من المدرسة ضد الطلاب، وآخر ضد المرأة وضد التي يرى المجتمع أنها في حالة خاصة او مختلفة عن الأخريات بالأحرى، وكل أشكاله تعبر في النهاية عن غياب الحوار لتحل محله قذائف كلامية تجهض أساليب التعامل السوي مع الآخرين.
فـ لا سبيل لحماية المجتمعات العربية من العنف اللفظي بدون الرجوع لمحكم الكتاب وتنشئة الأجيال على قيم الكلمة الطيبة وأثرها ونبذ الكلمة العنيفة الخبيثة وتبيان أثرها على سلامة المجتمع من الإنحراف السلوكي المدمر .
وتوعية الأسرة بعلاج أزماتها الداخلية بالحوارالهادئ ، وتقع مسؤولية هذه التوعية علي عاتق المؤسسات الدينية والتعلمية والثقافية والاعلامية وصولا لفطرة سليمة خلقها الله تعالي بالجمال والرحمة والتراحم .
ولا بد من الإشارة إلى أن العنف اللفظي لا يقع فقط بالسب والشتم وإنما اختيار العبارات ومعاني الجمل التي تؤدي إلى معنى وتفسير ليس إيجابي فالكلمة الطيبة أولى بإظهارها كما أن علم الطاقة يؤكد على أن للكلام تأثير كبير على الطاقة الكونية وعلى الهاله المحيطة بالإنسان وعلى الأحداث التي يمر بها .
على سبيل المثال من يصحى صباحًا على القرآن الكريم أو كلام الله في ديانته فيبقى بحال جيد لآخر اليوم أو من يسمع موسيقى لطيف أو أغنية غير حزينة ستدخل في جسمه ذبذبات إيجابية تنتشر مع جسمه وتغير بلورات السوائل في جسده لجعلها أكثر توافقا و انسجامًا ومن هنا يتغير مزاج الشخص للسعادة والإيجابية .
غيروا كلماتكم تتغير حياتكم..
بقلم/سارة السهيل