قد يعد التعليم المنزلي تحديًا كبيرًا في حد ذاته، لكن مع وجود أعمار مختلفة للأطفال في نفس الأسرة يزيد مستوى التحدي بالنسبة للقائمين عليه، فمراعاة ميول واهتمامات الأطفال والتوفيق بينهم من أهم النقاط التي تشغل الآباء في التعليم المنزلي، ومن أشهر الصعوبات التي تشتكي منها الأمهات هو عبث الطفل الصغير بأنشطة أخيه الأكبر مما يشتت تركيزه، أو رغبة كل طفل في الاستحواذ على انتباه الأم دون الآخر، مما يترك الأم في حالة من الصراع النفسي والضغط العصبي يحول دون إنتاجيتها مع أطفالها.
في هذا المقال سنحاول معًا أن ننظر لوجود أعمار مختلفة في الأسرة كفرصة يمكن استغلالها، بدلًا من تحدٍ ينبغي مواجهته، ونعرض بعض الحلول التي يمكنكم الاستفادة منها.
1 - استغلال اختلاف أوقات النوم والقيلولة
بعد ولادة طفلي الثاني، كانت أوقات نومه هي الأوقات المُثلى لجلوسي مع أخيه الأكبر لتعلم بعض الموضوعات أو حتى مجرد قراءة القصص، فالطفل الرضيع يقضي أكثر من نصف يومه نائما، بينما يحتاج الطفل الأكبر لمقدرا نوم أقل، فإذا استطعتم تنظيم وتيرة يومكم الدراسي داخل المنزل حسب أنماط نوم أطفالكم ستجدون أوقاتا كثيرة هادئة للتعلم خلال اليوم.
2- البحث عن الأنشطة المشتركة
في وقت استيقاظ الأطفال معًا يمكنكم التفكير في الأنشطة المشتركة بينهم، أنشطة اللعب الحر بالماء والرمل والعجين، أو الأنشطة الفنية كالقص واللصق والتلوين، ففي حين أن كلهم سينشغلون معًا بنفس النشاط إلا أن كل طفل سيبدع فيه بما يلائم سنه، ففي الوقت الذي سيحاول الطفل الصغير صنع كرة من العجين، يمكن للطفل الأكبر أن يصنع نموذجاً للتضاريس الأرضية التي درسها، وفي الوقت الذي سيلون الصغير فيه شجرة التفاح، يمكن للطفل الأكبر أن يلون الكواكب بألوانها التي تعلمها، وهكذا.
3- تقديم نفس الدرس بمستويات مختلفة
يمكنك اختيار موضوع ما للدراسة يشترك فيه كل أطفالك، ولنفترض موضوع جسم الإنسان.
يمكننا تمثيل الأمر بمجموعة ركاب في حافلة في رحلة لتعلم موضوع ما، كل راكب – طفل – سيغادر الحافلة في محطة ما ليكمل طريقه بنفسه في حين باقي الركاب سيكملون الرحلة.
تبدأ الرحلة بالتعرف على أجزاء جسم الإنسان الخارجية، ثم يغادر الطفل الأصغر الدرس – كون فترة تركيزه لا تحتمل أكثر من ذلك – ليقوم بتلوين رسمة أجزاء الجسم أو تجسيد ما تعلمه بالصلصال.
يستمر الدرس مع دراسة الهيكل العظمي أو الأعضاء الداخلية، ثم يغادر الطفل الأوسط الدرس ليقوم بمطابقة أجزاء البازل مع البطاقات المصورة الممثلة لهذه المعلومات.
يستمر الدرس مع دراسة تشريح العين أو كيفية عمل الجهاز الدوري، ثم يغادر الطفل الأكبر ليدون ما تعلمه في مذكراته، وهكذا، وبالتالي فالطفل الأكبر يراجع معلوماته والطفل الأصغر يشعر بأهميته وانتمائه للعملية التعليمية برمتها.
4 - إدارة الوقت بحكمة وذكاء
كثير من المهام التي عليك إنجازها يمكن أن تتم بالتوازي ولا يشترط أن تنتهي من أحدها للبدء في الأخرى، ففي الوقت الذي يعد فيه طفلي فطوره يمكنني أن أحمم أخاه الأصغر، وفي الوقت الذي يدرس فيه الرياضيات أقوم أنا بإطعام أخيه في مكان آخر حتى لا يشتت تركيزه، في الوقت الذي يجالس طفلي أخاه الأصغر ويلاعبه أقوم أنا بإنجاز بعض المهام المنزلية، فقط حاولي أن يكون لديك تصور عن المهام التي تودين اتمامها في بداية كل يوم، لتقتنصي الفرص على مدار اليوم لإنجازها.
5 - الإستفادة من تفاوت الأعمار
أنا مؤمنة تمامًا أن المجهود المطلوب من الأم في تعليم طفلها الثاني يكاد يكون نصف مجهودها مع طفلها الأول، ومع الطفل الثالث يقل المجهود أيضًا، حتى أن الطفل الرابع يعلمه إخوته كل شيء تقريبًا.
هذا لأن الأطفال من نفس الجيل يتفهمون احتياجات بعضهم البعض، ويعرفون بالضبط مقدار المساعدة الواجب تقديمها لأخيهم الصغير ليستطيع الإعتماد على نفسه وتطوير مهارته، على عكسنا نحن الكبار نميل لفعل الشيء بدلًا عنه ظنًا منا أننا نساعده.
وفيما يخص الدراسة فالأخ الأكبر يمكنه تدريس أخيه الأصغر في الكثير من الأحيان، يفيده هذا في مراجعة ما تعلمه، وفي تطوير مهارة العرض والتقديم والتواصل، كما يزيد ثقته بنفسه ويقوي علاقته مع أخيه.
6- المرونة وتقبل الأخطاء
أعرف تمامًا أن أيام التعليم المنزلي لن تكون كلها مثالية، لذلك أستعد دائما نفسيا لتقبل بعض الأخطاء والإخفاقات، يمكنني تقبل أن ينشغل رضيعي بإحداث الفوضى في مكان ما بالمنزل في مقابل ألا يشتت تركيزي مع أخيه الأكبر أثناء الدرس، يمكننني تقبل الشجارات بين أطفالي مراعاة لأعمارهم وتفكيرهم، ويمكنني تقبل تفويت بعض الأيام دون دراسة أو دون وجبة الفطور أو دون خروج من المنزل مثلا، طالما أن الجو الأسري العام يبدو صحيا جسديا ونفسيا فلا بأس بذلك.
أهم ما نحتاجه في التعليم المنزلي هو «المرونة»، يمكننا دائما تغيير الخطط والأساليب والمناهج، والأخطاء عندنا هي فرصة للتعلم والتقصير فرصة للتطوير.
7- مشاركة الأبوين
من مميزات التعليم المنزلي أنه ليس محددًا بوقت ولا زمان معين، يمكنني تأجيل الدرس للمساء حتى أستعين بزوجي لمجالسة طفلي الرضيع بينما أقوم بتدريس طفلي الأكبر، أو استغلال وقت اصطحاب زوجي لطفلنا خارج المنزل كي أقوم ببعض الأنشطة مع الطفل الأصغر، أو يمكننا مشاركة تقديم الأنشطة لأطفالنا معا في نفس الوقت.
يمكنكم اختيار أسلوب المشاركة الأمثل لكم بما يناسب أسلوب حياتكم، لكن تذكروا دائما أن “المقطف ذا الأذنين، يكون حمله أسهل إذا تشارك فيه اثنان”.
8 - لقاءات المعلمين منزليا
في التعليم المنزلي نحتاج كثيرا للدعم الاجتماعي، في أسرتنا يتمثل هذا الدعم في لقائنا بمجموعة من الأسر التي تفهم هذا الاتجاه من التعلم، نلتقي بهم أسبوعيا حيث تتطوع عدة أمهات بتقديم أنشطة مختلفة للأطفال، يفيد هذا الأمر على عدة أصعدة:
تخفيف العبء من على الأم فبدلًا من تقديم كافة الدروس لطفلها بمفردها هناك من سيقدمها بدلا منها، وهذا يقلل من الجهد المطلوب لإعداد الدروس ومن التكلفة المطلوبة للخامات.
في هذه اللقاءات من السهل الفصل بين الأطفال حسب أعمارهم والتعامل مع كل مجموعة على حدة بتقديم الأنشطة المناسبة لهم.
يمكنكم التخطيط لهذه اللقاءات بما يناسبكم سواء يومية أو نصف أسبوعية، ويمكنكم الاتفاق على كيفية سير خطة العمل بحيث تكون النتيجة مريحة ومجدية بالنسبة لكم ولأطفالكم.
9 - التصميم العام لغرفة التعليم المنزلي
التعليم المنزلي يمكن أن نخصص له غرفة خاصة، أو جزءاً من غرفة، يمكن أن يتم على طاولة السفرة أو حتى في المطبخ، لا يهم.
المهم هو كيفية استغلال المكان المتاح وإعداد البيئة بما ييسر العملية التعليمية ولا يعيقها.
حددي المشكلات التي تواجهك أثناء التعليم المنزلي والتي تسببها بيئة المنزل نفسها وفكري في حلول قطعية لها، بدلا من إضاعة الوقت كل يوم في التعامل مع نفس المشكلة.
اذا كانت المشكلة مثلا هو أن الطفل الصغير يعبث بأدوات دراسة أخيه الأكبر مما يثير غضب أخيه فاجعليها في أرفف عالية في مستوى الطفل الأكبر فقط و لايستطيع الرضيع الوصول لها.
في منزلنا نستخدم بعض الخرز في دروس الرياضيات وتواجهني مشكلة أن طفلي الرضيع ينجذب لها دائما ويضعها في فمه، بدلا من النهي المتكرر كان الحل بسيطا وهو استخدام علب شفافة مغلقة بإحكام، بالتالي فهي متاحة للصغير ليستكشفها بطريقة آمنة، ومتاحة لأخيه الأكبر ليتعلم بها متى شاء.
أيضا حين يدرس طفلي جالسا على الأرض يقطعه أخوه الرضيع أحيانا عن تركيزه حين يحوم حوله أو يعبث بأدواته، فبدلا من إبعاد الرضيع مرارا وتكرارا فالحل الأسهل هو أن أعرض على طفلي أن يدرس على طاولة السفرة فلا يستطيع أخوه إزعاجه.
إنها تلك المشاكل البسيطة التي تستهلك جهدنا وأعصابنا للتعامل معها، في حين أن بعض الحلول البسيطة بقدرها قد توفر علينا الكثير.
10 - القدوة، والتذكير اليومي بالقواعد
مهارات مثل الإستئذان وطلب المساعدة والمشاركة وانتظار الدور وغيرها هي مهارات مهمة جدا ليوم هانئ دون صراعات ولا مشاكل، لا تتوقعوا أن يكتسب أطفالكم هذه المهارات دون جهد دءوب منكم، يأتي في الطليعة تمثيلكم للقدوة الحسنة دائمًا وأبدًا أمامهم.
انتزعي القلم من يد طفلك لحاجتك إليه، وسينتزع طفلك بدوره الألوان من أخيه، اصرخي في وجه طفلك عندما يخطئ وسيصرخ بدوره في وجه أخيه قبل أن ينتظر الإعتذار، الأطفال ليسوا أشرارا بطبيعتهم، بل هم انعكاس لما يتعلمونه في بيئتهم.
يمكنكم تحديد روتين يومي لتعليمكم المنزلي يبدأ بمراجعة بعض القواعد البسيطة التي تظنون أنها تتسبب في تعكير صفو يومكم، كرروها بصفة يومية بالقدوة وبالقصة وبالدرس المباشر حتى تتأكدوا من استيعاب أطفالكم وتطبيقهم لها.
بقلم / دعاء مجدي