هذا
الكتاب هو : “عودًا على بدء إلى الدراسة التي سبقتها بعنوان التخلف الإجتماعي مدخل
إلى سيكولوجية الانسان المقهور.. وتطويرًا لها من حيث التعمق والإستكمال، ضمن مشروع
يطمح إلى توظيف علم النفس في خدمة قضايا التنمية الإنسانية.”
عندما تقرأ الغلاف ستقول في نفسك : -هذا أنا- نحن مهدورين.. وإذا بك تتفاجأ بهذا السطر في المقدمة: “حين تطالع محدثنا بأننا بصدد أجراء دراسة بعنوان: الإنسان المهدور” تأتي الإستجابة في غالبية الأحيان وبتكرار لافت للنظر: “آه هذا أنا” وقد تصاحبها ابتسامة تحمل شيئا من المرارة أو تنهيدة تشي بكثافة رد الفعل الوجداني..”
ستقف طويلا تتأمل فقط ” الإنسان المهدور” وتتخيل حياتك وحياة غيرك، ثم ستجد أنك بدأت تتنبأ بما في داخل الكتاب قبل أن تقرأه.. كما أنك ستتوقف كثيرًا عند كلمة “هدر” ستشعر أنها كلمة قوية جدًا جدًا وقد تكون أفضل وصف للحالة النفسية والتنموية الراهنة..
يقول حجازي و كأنه يقرأ ما جال بخاطرك حين توقفت عند كلمة الهدر : ” أما الهدر فهو أوسع مدى بحيث يستوعب القهر الذي يتحول إلى إحدى حالاته، فالهدر يتفاوت من حيث الشدة ما بين هدر الدم واستباحة حياة الأخر بإعتباره لاشيء، وبالتالي عديم القيمة والحصانة.. وبين الإعتراف المشروط بإنسانية الإنسان كما يحدث في علاقة العصبيات بأعضائه، وفيما بين هذا وهذاك يتسع نطاق الهدر كي يشمل هدر الفكر وهدر طاقات الشباب و وعيهم وهدر حقوق المكانة والمواطنة.. الخ”
يقسم حجازي الكتاب إلى مقدمة تليها ٩ فصول.. ممتعة شيقة.. مبهرة.. حقيقية.. يتخللها أشياء ربما لا توافقها كلها.. وأشياء تختلف معها بريبة.. وأخرى كانت بمثابة الصفعة لي لليقظة:
الفصول التسعة:
هدر الإنسان محدداته وتحلياته
العصبيات والهدر
الإستبداد، الطغيان وهدر الإنسان
الإعتقال، التعذيب وهدر الكيان
هدر الفكر
الشباب المهدور: هدر الوعي والطاقات والإنتماء
الهدر الوجودي في الحياة اليومية
الديناميات النفسية للإنسان المهدور ودفاعاته
علم النفس الإيجابي وبناء الإقتدار في مجابهة الهدر
نعتقد أنك تقول في داخلك أن عناوين الفصول تبشر بمحتوى راقي..
سنجيب ونقول: نعم، محتوى رائع وتحايل ستكتفي بالقول عنه أنه تحليل مذهل – مُخلِص.. عناوين الفصول محمسة جدًا وتلامس الواقع.. وتجيب علي تساؤلات كثيرة كلنا نسألها.. لماذا لدينا مشاريع تنموية ولا تكتمل.. لماذا ترصد ميزانيات مهولة لمشاريع مبشرة لكننا لا نراها.. لماذا نحن محبطون وطاقاتنا الشبابية تصطدم بشيء لا نفهمه، أعدك أنك ستجد في الكتاب تحليل غير سطحي ونظرة عميقة لواقع متشعب، سنكرر أنك لن تجد جلد للذات.. وهذا المهم.
الصراحة أن هذا الكتاب قد يرفع سقف آرائك وقد يغير كثيرًا من نظرتك للأمور والمشاكل مثل البطالة وتطوير النفس.. ستصبح أوعى بأننا نعالج المشاكل بشكل سطحي.. بينما لو انصرفنا لمثل هذه الدراسات لفهمنا كيف نعالج الأمور بشكل أفضل.. غالبية الآراء ستشعر بسطحيتها في كثير من الأمور.
هذا هو ثاني كتاب نقدمه لحجازي وفي كلا الكتابين نجد أن الفصل الأخير هو الأكثر إذهالا.. كأنه يعرف كيف يشوق القارئ لآخر فصل ويكون يحتاج لقراءته وبذات الوقت يعرف كيف يختم كتابه بطريقة متوازنة.. ستُلجم حين تقرأ بعض تحليلاته في فصل التعذيب و الإعتقال.. إن لم تكن تعرف أن لكل وسائل التعذيب فلسفة شرسة وشريرة.. حقيقة ستصاب بالذهول والألم، والحزن، الإنسان كائن مرعب إذا فكر في القوة فقط، كان مصطفى رائعًا في تحليل وجمع المعلومات التي تقود لنتيجة نفسية متعلقة بالهدر عبر حركات تعذيب واعتقال، كان فصل شيق جدًا..
وقد كان الفصل الأخير عن علم النفس الإيجابي، يقول في بدايته : “الهدر مهما اشتد ليس قدرًا مفروضًا.. بل لابد من التحرك للعبور من واقعه إلى بناء الإقتدار الإنساني على جميع الصعد”.. هذه الجملة تكفي لتعبر عن محتوى هذا الفصل والذي يكفي قراءته عن قراءة كل الكتب في هذا المجال.. الكتب المليئة بعبارات مزخرفة لا أكثر، الكتب التي تصيبك بغثيان يجب أن يكون له اسم طبي: غثيان الإيجابية المفرطة..
هذا الفصل سيشعرك بالأمل وبالإيجابية المتزنة فعلًا.. ستكرر قراءته كثيرًا لدرجة أنك ستفقد العد !
أن هذا الكتاب سيساعداك في زيادة إيمانك واستعادة جزء من إيمانك الذي فقدته لأسباب كثيرة.. ستجد في هذا الكتاب مايعزيك وما “يطبطب” عليك ويستحثك للنهوض.. ستشعر بمسؤولية لأنك أصبحت تفهم أكثر من قبل.. أصبحت ترى المشاكل من منظور آخر.. حتي أنك فقدت القدرة على بعض النقاشات لسطحيتها.. ستشعر أنها مسؤوليتك أن تتحدث عن الكتاب و تنصح به الكثير..
فقد حان الوقت أن نفهم وأن نتعامل مع الأمور والمشاكل بطريقة صحيحة وليست بطريقة تخمينات وتجارب لا تعدو كونها تجارب خاصة..
هذا الكتاب مرشد ودليل.. ومحمس وموجه و راقي و رائع.. هذا الكتاب يشعل داخلك ألف تساؤل لن ترضى إلا حينما تحلل وتبحث عن أجوبتها داخلك أولًا.. ننصحك بالكتاب..
أرجوك اقرأ الكتاب..