كتاب وحي القلم عمل أدبي لمصطفى صادق الرافعي، ويعتبر من أجمل ما كتبه الرافعي، يتكون الكتاب من ثلاثة أجزاء هي عبارة عن مجموعة من مقالاته النقدية والإنشائية المستوحاة من الحياة الإجتماعية المعاصرة والقصص والتاريخ الإسلامي المتناثرة في العديد من الصحف والمجلات المصرية المشهورة في مطلع القرن الماضي مثل: الرسالة، وجريدة المؤيد والبلاغ والمقتطف والسياسة وغيرها.
يجمع الكتاب كل خصائص الرافعي الأدبية متميزة بوضوح في أسلوبه، كذلك يجمع كل خصائصه العقلية والنفسية متميزة بوضوح في موضوعه، ففيه خلقه ودينه، وفيه شبابه وعاطفته، وفيه تزمته ووقاره، وفيه فكاهته ومرحه، وفيه غضبه وسخطه، فمن شاء أن يعرف الرافعي عرفان الرأي والفكرة والمعاشرة فليعرفه في هذا الكتاب.
بدأ الرافعي في كتابة هذه المقالات في عام 1934 كل أسبوع بصيغة مقالة أو قصة، ليتم نشرها أسبوعياً في مجلة الرسالة تناول الكتاب مواضيع اجتماعية وأخرى عن الوصف والحب، كما فيه مواضيع توضح ما التبس من حقائق الإسلام وآدابه وخلفياته وبعض جماليات القرآن ينتزع من الدنيا حقائقها، ويرسلها ضمن نصوص صيغت بصيغة القصة التي تنزع إلى لفت نظر القارئ إلى المغزى.
فـ ياعجبًا ! ينفر الإنسان من كلمات الإستبعاد، والضّعة، والذلة، والبؤس، وأمثالها وينكرها، ويردها؛ وهو مع ذلك لا يبحث لنفسه في الحياة إلا عن معانيها...
ما أعجب سر الحياة ! كل شجرة في الربيع جمال هندسي مستقل، ومهما قطعت منها وغيرت من شكلها أبرزتها الحياة فى جمال هندسى جديد كأنك أصلحتها، ولو لم يبق منها إلا جذر حتى أسرعت الحياة فجعلت له شكلاً من غصون وأوراق ..
الحقائق أسمى وأدق من ان تُعرف بيقين الحاسة أو تنحصر فى إدراكها،الكتابة التامة المفيدة مثل الوجهين فى خلق الناس: ففي كل الوجوه تركيب تام تقوم به منفعة الحياة ، ولكن الوجه المنفرد يجمع إلى تمام الخلق جمال الخُلق ، ويزيد على منفعة الحياة لذة الحياة، وهو لذلك، وبذلك، يُرى ويؤثر، ويُعشق، ستبقى كل حقيقة من الحقائق الكبرى: كالإيمان والجمال، والحب، والخير، والحق، ستبقى محتاجة فى كل عصر إلى كتابة جديدة من أذهان جديدة.
الكاتب الحق لا يكتب ليكتب ولكنه أداة فى يد القوة لهذا الوجود، تصور به شيئاً من أعمالها فناً من التصوير، الحكمة الغامضة تريده على التفسير، تفسير الحقيقة، والخطأ الظاهر يريده على التبيين، تبيين الصواب، والفوضى المائجة تسأله الإقرار، إقرار التناسب و ماوراء الحياة يتخذ من فكرة صلة بالحياة، والدنيا كلها تنتقل فيه مرحلة نفسية لتعلو به أو تنزل به، ومن ذلك لا يخلق الملهم أبداً إلا وفيه أعصابه الكهربائية، وله فى قلبه الرقيق مواضع مهيأة للإختراق تنفذ إليها الأشعة الروحانية وتتساقط منها بالمعانى..
هو حق وحي القلم، وهو عقيدة الرافعي في مختلف نواحي الحياة جمع فيه بين الأدب والتاريخ واللغة والدين فنراه يحسن الوصف ويدغدغ المشاعر تارة وتارة يدافع عن لغتنا العربية، وتارة يسوق من التاريخ ما له فائدة عامة، وهو يمرسك في كتابه هذا على القراءة إذ أن لغته أبسط من رشائله الأدبيه كما أنه متنوع القوة إذ أنه مجموعة مقالات على مر حياته الأدبية الحافلة فتختلف لغته بتقدمه في السن والعلم.
إنه بحق أديب العربية...