الكاتب:
صدر في بيروت / بغداد، العدد 27 من دورية قضايا اسلامية معاصرة وهي مجلة فكرية متخصصة يصدرها «مركز دراسات فلسفة الدين » في بغداد. وخصصت المجلة ملف هذا العدد لقضية «التسامح ومنابع اللاتسامح» وتجلياتها في التراث والفكر والاجتماع والواقع. وتصدرت الملف افتتاحية للمفكر العراقي الدكتور عبد الله ابراهيم، بعنوان «حيرة المجتمعات الاسلامية : في ان التسامح ليس منة أوهبة » شدد فيها على تنامي ضروب جديدة من الاستبداد الاجتماعي ــ الديني، الذي ينتج ايديولوجيا شمولية، تدعي اكتساب شرعيتها من تفسير ضيق للدين، بما يفقد الدين دوره الاصلاحي ــ الاخلاقي العام، وقد حلت التفسيرات الضيقة للدين محل النصوص الأصلية، وهذه التفسيرات المحكومة بغايات لها صلة بتطلعات مجتمعات حرمت من ممارسة أدوارها، أخذت على انها الدين الحقيقي، وبغياب نقد عقلي لتلك التفسيرات،تتوارى امكانات الحوار، ويصبح التسامح حلما بعيد المنال، فالتسامح ليس عفوا تصدره المجتمعات عن مارقين، بعد توبتهم، أوخارجين مخربين للقيم الكبرى، انما هو قبول كامل ونهائي بالآخر المختلف، بما يجعله مشاركا في كل شئ، وليس ملحقا مهمشا ذا دور تكميلي. ويخلص الباحث الى ان لاتسامح بدون اختلاف، فالتسامح ثمرة مران طويل على قبول حراك الصورة والفكرة والمفهوم، وقبول استئناف النظر الدائم بكل شئ، وعدم الارتماء في منطقة المطلق، وقبول الذات بتغيراتها، والآخر بسياقاته الثقافية، فالتسامح ليس منة أوهبة يتفضل بها أحد على غيره، انه حق تنتزعه المجتمعات، حينما تنخرط بفعالية الاختلاف متعدد المستويات والمعاني. وحاورت المجلة العلامة السيد محمد حسين فضل الله عن «التسامح ومنابع اللاتسامح » وتحدث السيد فضل الله عن «العفو، والمغفرة، والتوبة....وغيرها» في القرآن، وماتشي به آيات الكتاب من الاعتراف بالآخر، وكيف ان مناقشة فكر الآخر ومحاورته انماهي تعبير عن احترامه والاهتمام به، باعتبار الفكر نتاج الشخص نفسه، وهو تجل لمعتقداته ومفهوماته، من هنا يتمثل التسامح في الاسلام في احترام الناس في انسانيتهم باعتبارهم يمتلكون الفكر، وليس في احترام الفكر في ذاتياته. كذلك نفى العلامة فضل الله ان تكون الآيات التي تنفي الاكراه منسوخة بأيات القتال، لأن هذه الآيات وأمثالها من آيات الرفق والتسامح واردة في نطاق الدعوة والعلاقات الانسانية والاجتماعية، اما آيات القتال فهي واردة في مقام رد الاعداء في تحدياتهم في الجانب الدفاعي. كما نشرت المجلة حوارا للدكتور السيد حسين نصر، بعنوان «الخلاف يعود الى عالم الاسماء ولوانتقلنا الى عالم المعاني يسود الوفاق » عالج فيه مسألة التعددية الدينية وجذورها في الموروث الاسلامي، وكيف ان القرآن يعتبر «ان الدين عند الله الاسلام »والاسلام هنا ــ كما يقول حسين نصرــ ليس بمعنى الوحي القرآني وحسب، بل هو بمعنى التسليم لله، وجميع الأديان تقوم على عبادة الله والتسليم له. ويستقي الدكتور نصر من نصوص الشعراء المتصوفة رؤيتهم الانسانية، التي تذهب الى ان الله لم ينزل أكثر من دين واحد، فقد بدأ دين «لااله الا الله» من النبي آدم واختتم بالنبي محمد، اذ يلخص الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي، السبب الأصلي للأختلاف بين الأديان بقوله : اختلاف الناس يرجع الى الأسماء، فاذا انتقلنا الى المعاني يسود الوفاق. اختلاف المسلم والزرادشتي واليهودي يعود الى زوايا النظر. اما الدكتور عبد الكريم سروش فقد عالج الحوار المطول معه جدلية «الدين والتسامح والمدنية» وتوغل في ثنايا التراث ليقوض الدعوى التي تعتبر كافة نصوص المتصوفة والعرفاء ابرز منهل للتسامح والتعايش في التراث، فيشير الى النزعة الاقصائية الاستئصالية لدى بعض هؤلاء كالغزالي واضرابه من المتصوفة حيال المذاهب والفرق الاسلامية. و يلمح الى ان من المفارقات في عالمنا ان التسامح يوصى به عادة للمرؤوسين الضعفاء، كذلك يستخدم التسامح في تراثنا الصوفي والاخلاقي أحيانا في غير محلهما، حتى يصل التسامح احيانا الى تسويغ قبول الظلم وتبريره. ويشدد على انه لابد من العمل بمبدأ التسامح مع الآخر، الا مع أعداء التسامح نفسه، فالظلمة والمجرمين والقتلة لاوجه للتسامح معهم. كما عقدت المجلة ندوة في مكة المكرمة في 2 /2/2004، شارك فيها الدكتور أبو يعرب المرزوقي، والدكتور السيد ولد أباه، والدكتور احميدة النيفر، والدكتور هشام داود، والدكتور أبو بكر باقادر، وتناولوا فيها «التسامح ومنابع اللاتسامح» وتحدثوا عن تحليل مفهوم التسامح، ومجالاته التداولية، ومنابع اللاتسامح في تراثنا وفكرنا واجتماعنا اليوم وأمس. وأفاض المشاركون في بيان هذه الموضوعات البالغة الأهمية، استنادا الى مرجعيات معرفية وثقافية متنوعة، تحكي تنوع التأهيل الأكاديمي للمساهمين في الندوة. وفي باب دراسات استوعبت المجلة ثمانية ابحاث استهلتها ببحث للمفكر الايراني مصطفى ملكيان حلل فيه «المرتكزات النظرية للتسامح» من منظور لاهوتي مستنير. ثم تلته دراسة للدكتور عبد المجيد الشرفي بعنوان «المسلمون في عالم عدائي » أكد فيها على ان القول بأن وصف دين معين بأنه دين السلام، أو بأنه دين العنف والحرب، هو قول لامعنىله، وهو طرح مغلوط من الأساس، لأنه تعبير عن نظرة ماهوية الى الدين يكذبها الواقع والتاريخ. فان أتباع الدين هم الذين يكونون دعاة سلم حينا، ودعاة حرب حينا آخر، فالدين في كلتا الحالتين يستعمل مبررا لاختيارات ذات صبغة سياسية أواقتصادية أوعسكرية، والرهانات الحقيقية رهانات دنيوية، وان تلبست بالدين، واستندت الى نصوصه المقدسة ينتقون منها ويؤولون حسب دوافعهم وأغراضهم. ورغم ذلك فان كل ملاحظ منصف يقر بأن المسلمين قد مارسوا عبر تاريخهم من ضروب التسامح تجاه مخالفيهم في العقيدة مايعسر العثور على مثيله في تاريخ اتباع الديانات الاخرى. وهذا السلوك لابد انه متأثر بطبيعة الرسالة المحمدية،رسالة الرحمة، ورسالة عدم الاكراه في الدين. وتحدث الدكتور رضوان السيد عن «العنف الديني تجاه الآخر » وكيف صار الجهاد لدى الاحيائيين الاسلاميين مقدسا وشعائريا، فهو مقدس لأنه ذو دوافع دينية بحتة من وجهة نظرهم، وهو شعائري لأنه فعل توبة، فعل أضحوي وافتدائي للنص والآخر.وهكذا يصبح الانتحار أوتفجير النفس اكبر الحجج على صحة الفعل، ويصبح الانتصار انتصارا على النفس قبل ان يكون انتصارا على الآخر. وتناولت المستشرقة الألمانية الراحلة آن ماري شيمل موقع «التصوف كجسر بين الأديان والحضارات» فليس التصوف زهدا يقتصر على نفي الدنيا، ولااهمال الوظائف الدينية، أوانه احلام رومانسية، بل هو احياء للقلوب، وبعث الحس الديني العميق، وخلع المعنى على مالامعنى له، وهو العشق وحرارة الوجد التي نحن بأمس الحاجة اليها اليوم، لنحيا ويحيى بني الانسان. وفي دراسة موسعة تناول المفكر اللبناني علي حرب ما اصطلح عليه مفهوم «الانسان الأدنى » فنقد المركزية البشرية، ورأى بأن الأجدى والأغنى في التعامل مع الناس في القطاعات البشرية، بوصفهم منتجين خلاقين أولا، وبوصفهم فاعلين مؤثرين ثانيا، الأمر الذي يحمل على تجاوز الثنائية التي تحكمت بعقول الفلاسفة طويلا، أي ثنائية النخبة والجمهور، أوالمعرفة العلمية والمعرفة العامية، مثل هذه الثنائية المبنية على احتكار المعرفة واحتقار الجمهور هي مصدر للفقر والجهل والتخلف والاستبداد. مما يعني انه لاأحد أولى من سواه بالحقيقة والقضية البشرية، والافق الذي ينفتح الآن يخلق مجالا لتجاوز مجتمع النخبة والوصايةنحو مجتمع تداولي جديد، يتشكل بعقلية المفاوضة والمحاورة، أو المشاركة والمبادلة، بحيث يشترك الجميع في البناء والتنمية. ويناقش المفكر العراقي غالب حسن الشابندر مقولة الفرقة الناجية في بحثه«على طريق التسامح» الذي يدعو فيه الى تشكيل علم بديل لدراسة الفرق، لأن علم دراسة الفرق التقليدي في الأعم الأغلب يكاد يكون علما تكفيريا، ذلك ان الكثير من المؤلفين فيه يتمحور هدفهم على بيان الفرقة الناجية وتمييزها عن الفرق الهالكة. وتكمن أهمية مقاربة الشابندر لهذه المسألة في حشده لعدة منهاجية تدمج بين ادوات اللاهوت وعلوم الحديث الكلاسيكية، والاركيولوجيا والعلوم الانسانية، بغية تفكيك ظاهرة التكفير لدى الجماعات الاسلامية اليوم، واحالتها الى منابعها التي تنهل منها والعناصر المولدة لها. كما درس الدكتور نادر كاظم،وهو باحث جاد من البحرين «تحالف المعرفة والهيمنة : لعنة السواد وامثولة النئ والمطبوخ والمحترق» عبر توظيف جينالوجيا المعرفة،والعلاقة بين المعرفة والسلطة عند ميشيل فوكو، فكشف عن صورة «الاسود الزنجي» في المتخيل، وكيف اننا لم نكن متسامحين دائما مع الآخرين، وفكك تحالف المعرفة والهيمنة. وتناول الدكتور احميدة النيفر «الآخر والهوية والتراحم» من خلال قراءة في التجربة التاريخية للغرب الاسلامي، واوضح بدراسة معمقة لكتاب «المعيار » للونشريسي، نمط العلاقة بين المسلمين والنصارى واليهود في « الاندلس والمغرب» ومايسودها من تعايش وانفتاح وحراك وتحاور وتفاهم. وفي كل عدد تخصص مجلة قضايا اسلامية معاصرة زاوية لنقد أحد اعدادها السابقة بعنوان«نقد العدد الماضي ». وقد راجع الكاتب العراقي «المقيم في استراليا »ماجد الغرباوي، مراجعة نقدية لملف «التعددية والاختلاف : تجليات التعايش بين الاديان والثقافات » الذي استوعب العددين 20-21 في المجلة. وقد حاول الباحث ان يبلور رؤية تعزز مفهو م التعدديةبمختلف اشكالها، وتفصح عن آليات التعايش بين الاديان والثقافات، عبر مناقشة ماطرحه كتاب ملف«التعددية والاختلاف » في قضايا اسلامية معاصرة. وربما كانت المرة الاولى التي تخصص فيها دورية عربية اسلامية ملفا يتجاوز «300» صفحة لدراسة قضية « التسامح» والسعي لاكتشاف « منابع اللاتسامح » وفضحها. فيما تتجاهل ادبيات الجماعات الاصولية بحث واشاعة مفاهيم «العفو، والتراحم، والتعايش، والتسامح.....الخ» وتعمل على مسخ كل معاني الدين والمحبة والتراحم في الدين، واختزاله في صناعة الموت، وهجاء الحياة، ونفي الآخر.
تحميل كتاب مجلة قضايا اسلامية معاصرة - العدد 27 ، كتاب مجلة قضايا اسلامية معاصرة - العدد 27 pdf للتحميل المجاني ، تحميل كتب pdf، وكتب عربية للتحميل، تحميل روايات عربية ، تحميل روايات عالمية ، روايات pdf ، تحميل كتب pdf ، تحميل جميع كتب ومؤلفات ،و اقرأ مقالات مفيدة ، تذكر كل هذا وأكثر على مكتبة الكتب.
هذا المحتوى مخفي
جميع خدماتنا مجانية .. يرجى دعمنا والمشاركة علي إحدى مواقع التواصل الإجتماعي
أو انتظر 10 ثانية لظهور المحتوى