عالم المصريين

عالم المصريين

الكاتب: ماري بونهيم ، لوقا بفيرش

ما زال بين العرب وتقديم تاريخهم عبر المناهج الدراسية في المدارس والجامعات، بون شاسع، فهو مجرد نص جاف، ينفر منه الطلاب، وتتولد في نفوسهم إشكاليات تتعلق بسؤال الهوية. استدعيت ما تقدَّم عند قراءتي كتاب «عالم المصريين»، وهو موسوعة من مجلد واحد، أُلِّفت بإشراف ماري وانغ بونهيم، ولوقا بفيرش، وترجمها إلى العربية ماهر جويجاتي، لحساب المركز القومي المصري للترجمة، في ما يقرب من 500 صفحة تتضمن صوراً شارحة لتاريخ قدماء المصريين. مواضيع الموسوعة تجاوزت التاريخ السياسي إلى العلوم والاقتصاد والعمارة والفنون والمجتمع وعاداته والمبتكرات والطعام والكتابة، وتتميز بالتوازن بين مواضيعها، وإبراز وعي قدماء المصريين بأهمية انتقاد السلطة، بتجلياتها المختلفة. عبر صفحات الكتاب نلمح كيف غيَّر قدماء المصريين وجه الإنسانية، فهذا المجتمع أنجز أقدم دولة مركزية في العالم، فيها الملك هو الضامن لوحدة البلاد والساهر عليها، ويتولى في الواقع زمام السلطة، وإلى جانبه شخص يحتل مركزاً رئيسياً هو الوزير الذي تقع على عاتقه مسؤوليات جسام، فيشرف على الجهاز الإداري في البلاد، ويلتف من حوله كبار الموظفين. وهناك في هذه الدولة منظومة من الأنشطة، بدءاً من إقامة العدالة وإدارة الأملاك والكثير من المؤسسات الدينية، وتنظيم أكبر المشاريع واستثمار الأراضي والأقاليم الجديدة. هذا كله، كان يتحرك في إطار هياكل بنيوية تشمل المملكة بأكملها، وصولاً إلى مختلف الأقاليم التي يقف على رأسها حكام ينوبون عن السلطة المركزية. ومن ثم يتخذ مكان إقامة الفرعون بُعداً خاصاً، فالمدينة التي اتخذ منها مستقراً له، والتي أطلقت عليها الوثائق التي أخرجها علماء المصريات عبارة «المقر الملكي»، أي غنو–بالمصرية القديمة، هي في الواقع مركز البلاد الإداري. ويشكل القصر الملكي بر–عا، أي البيت الكبير، أبلغ تعبير عن تجلي السلطة. وقرب نهاية الدولة الحديثة، أصبحت هذه الصيغة تحديداً، تشير من باب الكناية إلى ملك مصر ذاته، أي أن «برعون» التي صارت فرعون والتي تشير إلى القصر الملكي صارت تُشير أيضاً إلى ساكنه. الكتاب تميَّز عن غيره باعتماده على نتائج الحفائر الجديدة، بخاصة في أبيدوس، ويرى اليوم جمهور الباحثين أن مصر مرتبطة بالتركيبة المتداخلة الأفريقية القديمة، فيتقاسم ملوكها الملامح الثقافية نفسها مع صيادي الصحراء الكبرى، كما تكشف عنها الصور التي تحتفظ بها الصخور، في المنطقة الممتدة من البحر الأحمر وحتى موريتانيا. فالثياب هي نفسها، وكذلك الأسلحة وأساليب الصيد. الديبلوماسية في مصر القديمة، اعتماداً على خطابات العمارنة، وهي مدوَّنات من قوالب الصلصال، عثر عليها في عاصمة الفرعون أخناتون، مكتوبة بالخط المسماري. كان موفدون يحملون هذه الرسائل، فيجمعون بين الديبلوماسية وتبادل المنتجات أو تسليم ضرائب الجزية، أو إجراء مفاوضات الغرض منها عقد زيجات ديبلوماسية. أشارت الموسوعة أيضاً إلى أن مصر القديمة كانت مهد فكرة التبادل النقدي. كانت قاعدة المبادلات تتكون في معظم الأحوال من أشكال متنوعة من المقايضة، وهو ما تشهد عليه الكلمات الواردة على لسان المتحاورين في مشاهد السوق، ولكن هذه الطريقة كان معمولاً بها بالأحرى، في المبادلات المحدودة. أما في حالات مبادلة الأشياء الأكثر أهمية، كشراء أو بيع المنازل أو الماشية أو المتاع الجنائزي أو الأيدي العاملة المسترقَّة، فيلاحظ أن عناصر المقايضة قد تسجل رسمياً في أرشيف توثيقي، وقد يحدث من ناحية أخرى اللجوء في شكل منتظم عند تقييم السلع إلى نقود حقيقية حسابية. وتتخذ هذه النقود شكلين يبدو أنهما استخدما استخداماً متوازياً، على امتداد القسم الأكبر من التاريخ الفرعوني، كأن تقدر قيمة السلعة إما بكميات من الحبوب أو بوزن من مختلف المعادن أو الذهب أو الفضة. لكن ما تشير إليه الموسوعة في مواضع كثيرة، هو ما أنجزه قدماء المصريين في مختلف العلوم كالطب والرياضيات والإحصاء وغيرها، ومنذ وقت مبكر جداً، دوَّن المصريون أعداداً لا حصر لها من الوقائع الجغرافية، كارتفاع منسوب نهر النيل سنوياً، والموقع النسبي لمختلف البلدان على امتداد النهر، وتسجيل مساحة الأراضي كأساس لتقدير الضرائب على الأرض، وإليهم يعود الفضل في وضع أقدم رسم جغرافي تخطيطي.



لا تنسى تحميل تطبيقاتنا

  • - تحميل الكتب إلي هاتفك وقرائتها دون الحاجة إلي الإنترنت
  • - تصفح وقراءة الكتب والروايات أون لاين
  • - متعة الإحساس بقراءة الكتب الورقية
  • - التطبيق مقدم مجاني من مكتبة الكتب

اقرأ أيضا