الكاتب: د. علي زيعور

قدم المؤلف في هذا الكتاب قراءة فصيحة جداً في علم الأحلام حتى تكاد تشعر أنه كتاب خُط في القرون الماضية وليس في هذا العصر الذي له و لغته ومفرداته الخاصة، فالكاتب يَستخدم مفردات غارقة في الغرابة والسجع، فالكتاب قدم مادة غنية عن التراث الحلمي في الحضارة العربية وما سبقها من حضارات، ولم أرى وجهاً لإفراد النصف الثاني من الكتاب للحديث عن النبوات ومكانها في الفلسفة القديمة والتي هي موضوع متمايز عن الأحلام وإن كانت مرتبطة بها, ففي الأحلام تظهر أماني الخلود والتجسد، فقط الأحلام تجعل منك نظيراً للصوفي في مدينة الأولياء... علم الأحلام اليوم يتحرك بعلوم مختلفة عن تلك التي كانت تُفسر الموت بطول العمر، فالحقل النفسي الإجتماعي ظهرت فيه معرفيات قد تفصله عن القديم، وخضعت طرائق إنتاج الحلم إلى متغيرات ثقافية واقتصادية من تفاوت في مستويات المعيشة وتعقد السلطة وتغير منطق التواصل بين حلقات المجتمع، فالحلم ظاهرة جسدية نفسية اجتماعية مأخوذة من الوقائع الفسيولوجية الخاصة بالإنسان... ويصح أن يقال أن الحلم حروف عربية بلا تنقيط يمكن قراءته بوجوه مختلفة, الفكر العربي والإسلامي اعتبر الحلم نصاً لا يُفهم إلا انطلاقاً من صاحبه، وقد تنبه العرب إلى بروز العامل الجنسي في التفسير، وقد وافقتهم المبادىء الفرويدية في ذلك، وهناك من جعل من الأحلام جسراً إلى الألوهية و وظفوه في مجال السياسة وفهم التاريخ وبناء المشاريع و إرساء الأيدولوجيات وتشريع العلاقات الروحانية بين الناس واستشراف المستقبل... الحلم مرتبط بالنص المقروء والدين وعلوم البيان والتفاسير والتجربة الفكرية وأصول المعرفة، لذلك لا يصح قول ابن خلدون حين جعل علم التعبير علماً شرعياً حادثاً في الملة، فهو موجود في سائر التراث الإنساني.