الكاتب: د. عثمان محمد غنيم
هذا الكتاب .. يأتي في الوقت المناسب، ذلك أن براكين الظلم تتفجر في كل مكان تقريبا، وحممها تكاد تحرق الجميع، وتطال الأبرياء أيضا، بسبب قعودهم عن الاضطلاع بمسؤوليتهم، والله يقول : ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ...) (الأنفال: 25). إن التشدد والتطرف، وكل هذه الظواهر، التي تطفو على سطح العالم هي أعراض للمرض الأساس، الذي لا يريد أن يعترف به أحد، إنه الظلم وغياب العدل، الظلم السياسي والاجتماعي، والاستلاب الثقافي، وفرض الأنماط والأفكار المغايرة لثقافة الأمة. إن إشكالية الظلم إشكالية مركبة، لذلك فشلت الحلول بسبب النظر إليها من بعد واحد، فقد لا يجد المظلوم أمامه إلا رد الفعل، دون التبصر بعواقبه. وسوف تبقى إشكالية غياب العدل والنزوع إلى الحرية ومقارعة الظلم مستمرة، تؤرق العالم، وتعبث بأمنه طالما استمر الظلم والاقتصار على معالجة الآثار بالحلول الأمنية، وطالما ما نزال نلقي القبض على المظلوم؛ فالمزيد من القهر والظلم سوف يزيد من نار المواجهة، ويدفع المظلوم للجوء إلى المحاولات اليائسة. ومهما تكن المسوغات فإنها لا تبرر العنف والتطرف والمسالك غير الشرعية، إلا أن دراسة الأسباب هي السبيل لمعرفة مكمن الداء، وهذا لا يتعارض مع أهمية معالجة الآثار بالوسائل الأمنية، بحيث لا يجوز أن يحول ذلك دون دراس الأسباب وتقديم الحلول الناجعة. وقد يكون الأمر الملفت والمريب معا أن هذه الاندفاعات البركانية تبدو وكأنها مستوطنة في عالم المسلمين، فهل سبب ذلك الحقد والعداوة التاريخية لهذا الدين. إن الاستمرار في إلقاء التبعة كلها على الآخرين، سعيا لإعفاء (الذات)، لا يغير من الحال شيئا، لإننا المسؤولون حقا، وأن ما يصينا إنما هو من عند أنفسنا، حيث باتت تحيط بنا خطايانا.
هذا المحتوى مخفي
جميع خدماتنا مجانية .. يرجى دعمنا والمشاركة علي إحدى مواقع التواصل الإجتماعي
أو انتظر 10 ثانية لظهور المحتوى