الكاتب: د. محمد محمود الجمال

يشكل هذا الكتاب جهدا مقدورا في بيان مناخ الحرية ومحاضنها، الذي أنتج هذه الدينامية الفكرية والحركة الاجتهادية والثروة الفقهية، التي تدلل على مرونة القيم الإسلامية في الكتاب والسنة وفضاءاتها الواسعة، وقدرتها على الاستجابة للمستجدات والوقائع، في كل زمان ومكان، وتحقيقها لخلود الإسلام وامتداده وقدرته على الإنتاج كل آن، ورعايتها لحرية التفكير، وإطلاقها لقدرات العقل، واستيعابها لكل الحالات، وسعتها لكل الاحتمالات، الأمر الذي يشكل رحابة للمكلف، ورحمة به وارتقاء بمداركه ويفكك أسوار التقليد، عدو الحرية، ويحمي نسيج المجتمع من التمزق، ويحول دون التوهم بامتلاك الحقيقة أو احتكارها، ويحول دون ممارسات التكفير والتأثيم والإرهاب الفكري. إن جهد المؤلف وعطاءه كان مضاعفا، فهو من جانب يؤسس ويؤصل لمناخ الحرية وتجلياته في إطار الفقه المقارن، الذي لولاه لما كانت هذه الثروة الفقهية والفكرية والاجتهادية العظيمة، ومن الجانب الآخر يقدم نماذج من الفقه المقارن، الذي يوسع المدارك ويمرن التفكير ويشعر بالسعة؛ فهو كتاب في الفقه المقارن إضافة إلى تأصيل وتأسيس مناخ الحرية. الحديث عن الحرية وتطبيقاتها في الفقه يمنح المسلم جرعة كبيرة من الاعتزاز والصمود في وجه كثير من التحديات والممارسات السياسية والفكرية اليوم، التي تنتقص من حريته وتحول دون الإفادة من التاريخ الثقافي والسياسي والفقهي في بناء الحاضر وإبصار المستقبل، لكن الأمر الأهم هو : كيف نمتد بذلك في حاضرنا ومستقبلنا؟ وما هي الوسائل والآليات التي تمكننا من صناعة الحرية وفتح النوافذ في الجدران المسدودة، حتى نكون في مستوى إسلامنا وعصرنا، وتتحقق ثمرات عقيدة التوحيد (التحرير) في حياتنا وحتى لا يشكل الكلام عن الماضي أحد المهارب ومعالجة مركب النقص والعجز في حاضرنا؟