الكاتب: محمد الجوادي
لما بدأت مصر نهضتها في القرن التاسع عشر الميلادي صادفت كثيرا من النجاح لكنها صادفت الفشل أكثر مما صادفت من النجاح، وبعد مائتي عام على بدايات هذه النهضة أصبح من واجبنا أن نتصارح عن السبب الحقيقي في النجاح، والسبب الحقيقي في الفشل بعيدا عن كل الأسباب المقولبة أو الملفقة التي استسهل أسلافنا اللجوء إليها في تشخيص الحالة التاريخية، وفي وصف النهضة التعليمية والعلمية والثقافية. على سبيل المثال، فإن من الصعب على الذين غرقوا في التفرقة بين عصر محمد علي من ناحية وبين عصر عباس الأول من ناحية أخرى أن يصلوا إلى حقيقة السبب، لأنهم يعولون على قرارات أو توجهات فوقية ربما يكون لها أثر وقتي، لكنه لا تصنع نهضة ممتدة كما أنها لا تعوق نهضة راسخة. ولست أشك في أن كثيرين قد اكتشفوا حقيقة السبب الجوهري، لكنهم لم يجدوا مصلحة في إذاعته، ولست أشك أيضا في أن كثيرين قد اكتشفوا حقيقة هذا السبب، لكنهم استكبروا أن يعترفوا به في ظل حرصهم على الابتعاد بمصر عن انتمائها الحقيقي إلى انتماءات أخرى تجعل لهم مكانة أرفع ومرجعية أقوى. لكن مضي الزمن وتكرر التجارب الموؤودة في النهوض أصبح كفيلا للحق بأن يظهر وأن يعترف به وبدوره إيجابا وسلبا، ومن الجدير بالذكر أن الوصول إلى هذا الحق ليس بالأمر المعجز في ظل الفهم الحقيقي لآليات حدوث النهضة واستمرارها، وهو موضوع كبير لا يمكن لمثل هذه المقدمة ولا لمثل هذا الكتاب أن يدعي أنه يلم به إلماما كاملا، لكن بعض أساسياته تبقى أكبر من أية محاولة للتجاهل أو القفز عليها. وأول سياسات النهضة كما نعرف وكما نعلم وكما عرف العالم وسجل هو ((الأصالة))، فلن يمكن لنهضة مصرية أن تتحقق بلا مصريين وبلا هوية مصرية، وهذا هو جوهر القول الفصل بعد ذلك في نجاح النهضة واستمرارها واتصالها أو توقفها عند بداياتها أو حتى إرهاصاتها.
هذا المحتوى مخفي
جميع خدماتنا مجانية .. يرجى دعمنا والمشاركة علي إحدى مواقع التواصل الإجتماعي
أو انتظر 10 ثانية لظهور المحتوى