الكاتب: محمد الصغير غانم
من بين المواضيع الهامة التي لم تحظ بعد بالاهتمام المناسب في أوساط الباحثين والمؤرخين في جامعتنا العربية، موضوع التاريخ القديم الذي ما زال المختصون فيه في وطننا العربي يعدون على الأصابع، ولا أدري أكان ذلك عن قصد لأن الماضي دخل في حيز العدم ((أما أن)) هناك مواضيع اقتصادية وتقنية تتعلق بالحاضر والمستقبل تغطى على مثل هذه الدراسات. وقد ترتب عن نقص الاهتمام أن انفراد المؤرخون الأجانب بالعمل تقريبا فأصبحوا يكتبون لنا تاريخنا ويضمنوه ما شاءوا من النظريات والأفكار التي قد لا تطابق الواقع في كثير من الأحيان. غير أننا نقبل ذلك، ونعتمد كتاباتهم في جامعتنا ومدارسنا معللين ذلك بنزاهة وتكامل البحث العلمي. كانت هذه الفكرة وغيرها من الأفكار الأخرى تحز في نفسي أثناء دراستي الجامعية عندما كانت تسلم لنا قوائم المصادر والمراجع الهامة التي تتعلق بتاريخنا القديم، وقد كتب معظمها من طرف المؤرخين الأجانب. إلا أن ذلك كان حافزا لي على أن أختار هذا الميدان الصعب وأن اتمسك بالصبر والمثابرة علني أستطيع تقديم مساهمة إيجابية فيه وبذلك أكون قد قمت بواجبي الوطني تجاه أبناء أمتي. وبعد أن تخرجت من كلية الآداب بجامعة الجزائر سنة 1969 عرضت موضوع عنوان الرسالة على الأستاذ ((هشام الصفدي)) فرحب بالفكرة وتفضل مشكورا بقبول الإشراف فضبطت معه المخطط وعملت باستمرار على تحقيق الهدف المنشود. ولا أخفي الصعوبات والمشاكل التي صادفتني أثناء بحثي خاصة قلة توفر المصادر والمراجع المتخصصة التي أعاقتني عن إنجاز عملي في وقته المحدد. وقد حددت بداية البحث بفترة نهاية الألف الثاني وبداية الألف الأول ق.م وذلك لإيماني العميق بأن هذه الفترة تعد مرحلة انتقال حاسمة بالنسبة لتاريخنا القديم فقد عرف الانسان المغربي فيها الانتقال من عصور ما قبل التاريخ (فترة النيوليتيكي) إلى العصور التاريخية الباكرة. وذلك بأخذ الكتابة الأبجدية التي جاء بها التجار الفينيقيون من مواطنهم على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، والذين يصادف وصولهم نفس الفترة. كما عرفت منطقة المغرب في هذه الحقبة من التاريخ نظام المدينة الدولة (Polis) بالإضافة إلى التنظيم السياسي كان يطبق في المدن الفينيقية الباكرة مثل ليكسوس وأوتيكا ثم قرطاجة فيما بعد. ومن جهة أخرى فإن أهمية هذه الفترة تعود في رأيي إلى الاحتكاكات والمبادلات السلمية الأولى التي تمت بين الفينيقيين الساميين والسكان الأصليين على أساس المصالح المتبادلة، مما أعطى للحضارة المغربية دفعة جديدة قوية بقيت آثارها ماثلة حتى القرن السابع الميلادي، أي حتى مجيء العرب الساميين الذين حملوا معهم مشعل الإسلام والعروبة إلى ربوع المغرب.
هذا المحتوى مخفي
جميع خدماتنا مجانية .. يرجى دعمنا والمشاركة علي إحدى مواقع التواصل الإجتماعي
أو انتظر 10 ثانية لظهور المحتوى