الكاتب: توماس ل. طومسون
بداية، اعتمد في كتابة تاريخ إسرائيل على المعطيات التي تقدمها المرويات التوراثية، لكن تراكم المعطيات الأركيولوجية والتزايد الكبير في الاكتشافات الهامة في الشرق الأدنى القديم، إضافة إلى البحث النقدي المتراكم، كل هذه العوامل أدت إلى تحول العنصر التاريخي في الدراسات التوراثية. فبعد أن كان الاعتماد كلياً على المرويات التوراثية، بدأ النقد يطال البنية الداخلية لهذه المرويات، وحاول البعض التوفيق بين المرويات التوراثية والمكتشفات الأثرية. وقد أكد كثير من المؤرخين عدم تاريخية بعض الحقب، مثل حقبة الآباء، الغزو، القضاة، كما شكلوا بتاريخية بعض الرموز الأساسية. لكن ثمة افتراض ثابت عندهم، ناجم عن تأثير التفسير التوراثي هو وجود إسرائيل موحدة قديماً. غير أن الاتجاه الذي بدأ يتعزز الآن والذي يعتبر "توماس طومسون"، مؤلف هذا الكتاب، رائده، هو اتجاه التخلي عن الافتراضات المسبقة التي فرضها التفسير التوراثي: وهو يقول "التاريخ يقوم على الأبحاث وهو يتعلق بالطبيعة وليس بما وراء الطبيعة". وتاريخ إسرائيل القديم، كما يؤكد أيضاً طومسون، لا يمكن استخلاصه من التوراة كما أن أساسي التقييم النقدي يبقى منفصلاً عن التوراة، في تاريخ نقوش وحفريات أقاليم فلسطين. يخصص طومسون الفصول الأولى من الكتاب (1،2،3) لمناقشة ونقد النظريات التي عالجت موضوع تاريخ إسرائيل منذ حوالي القرن. وفي الفصل الرابع استعرض المرويات التورانية التي تعكس صراحة أو ضمناً المجال الذي تشكلت فيه والذي يرسم تصور إسرائيل التي نبحث عن أصلها. وفي الفصلين الخامس والسادس يدرس المؤلف أصول السكان ومستوطنات الساميين الغربيين في فلسطين الكبرى، والانتقال من العصر البرونزي الأخير إلى العصر الحديدي مؤكداً ان السكان الأصليين في فلسطين لم يتغيروا كثيراً منذ العصر الحجري. وفي الفصل السابع يوضح المؤلف بأن البيانات المستخلصة من الأركيولوجيا تقدم دليلاً ضد أي توكيد لوجود أي بنى سياسية غير إقليمية في مرتفعات فلسطين، وبالتالي فإن وجود إسرائيل أو يهودا في مثل هذا التاريخ المبكر لا تؤيده المعلومات المتوفرة من فلسطين في تلك الفترة. ومشيراً في الفصل الثامن إلى أن المرويات التورانية لا تعكس سوى بقايا دور خيالي غير مترابط من ماض تمكن الذين استمروا بعد الدمار وسلالتهم من جمعها وإعطائها معنى في العوالم الجديدة المختلفة جزرياً والتي وجدوا أنفسهم فيها. لذا فقد بين في الفصل التاسع بأنه وعلى الرغم من أن إسرائيل قد لعبت دوراً في الصراع على النفوذ قبل دخول الآشوريين إلى المنطقة، فإن أياً منهما لم تكن مسيطرة على فلسطين ومن وجود ملكية موحدة تورانية خلال القرن التاسع، ليس غير ممكن فقط الآن سكان يهودا لم يكونوا قد استقروا بعد، بل وأيضاً لأنه لم تكن قد وجدت بعد قاعدة سياسية أو اقتصادية. وليس هناك تواصل لا في السكان ولا في الأيديولوجيا بين إسرائيل السامرة وإسرائيل المرويات. ففي المرويات التورانية، السامرة إسرائيل زائفة وعندما دمرت أشور السامرة 227ق.م أعيد توطين معظم سكان إسرائيل في أشور وعيلام والعربة، أما القدس وجزء من ضواحيها فقد استمرت بعد سنحاريب وازدهرت في ظل تبعيتها لأشور خلال القرن السابع ولم تتمكن القدس ولا يهودا من الاستمرار بعد غزو جيوش نبوخذ نصر البابلية. وانتهى المؤلف إلى أن مفهوم بني إسرائيل: اثنية وشعب مرتبط بالاتحاد والروابط الهائلية والأصل المشترك، يملك ماضياً مشتركاً ومتجهاً نحو هدف مستقبلي ديني مشترك، ليس انعكاساً لأي كيان سياسي-اجتماعي في دولة إسرائيل تاريخية في الحقبة الآشورية، ولا يمكن اعتبار ديانة إسرائيل مطابقة لديانة فلسطين الماضية.
هذا المحتوى مخفي
جميع خدماتنا مجانية .. يرجى دعمنا والمشاركة علي إحدى مواقع التواصل الإجتماعي
أو انتظر 10 ثانية لظهور المحتوى