الكاتب: جعفر المهاجر
يقول الكاتب أنه في وقـتٍ ما من السنة 1974، إن لم تكُـن قـد خانتني الذّاكِـرة، اتصلَ بي الطّيّبُ الذّكــر الأُستاذ الدكتور نقولا زياده ليقولَ لي أنّ لديه كتاباً جـديـداً بالفرنسيّة هـامٌّ جــدّاً في الموضوع الأثير لـديّ يعني تاريخُ الشيعة، وعنـد أوّل لقاءٍ به أهـداني الكتاب وعليه إهـداءُ مؤلفه، مشفوعاً بوصيّـةٍ منه هو بضرورة العمل على ترجمته. كان ذلك بدايةَ علاقةٍ حميمةٍ بيني وبين الكتاب لم تنقطع، ساهمَتْ بتكوين حَدْسـيَ الشخصي على لُـغـز انتشار التشيّع في المنطقة الشّـاميّة خلافاً لكل تهيّؤاتها الذاتيّة، وبالتالي بقيادة أبحاثي الكثيرة على الإشكاليّة نفسِها، في تلك الأثناء لم تُفارقني فكرةُ العمل على ترجمته، ولكم يُسعـدُني الآن أن أراه بحُـلّتـه الجديدة، وهـذه مُناسـبةٌ للتنويه بالجُهـــد الصادق الذي بذله الصديق العزيز فضيلة الشيخ محمود الزين في ترجمـة الكتاب. إنّ أهميّـةَ هـذا الكتاب هي في أنّـه أوّلُ دراسـةٍ عـملتْ على تحرير تاريخ الشيعة من الأُسطورة، التي تُـقـــــدَّمُ لنا بشكل أبطالٍ وهميين، يُفسّـرون حـركـةَ تاريخٍ أكبرَ منهم بكثير. ومن هنـا فإنّ الكتاب ما يزالُ جديداً بعـد أربعين سنة من تصنيفه. وهـذا أقسـى امتحانٍ يخضعُ لـه أيُّ كتاب. الفكرةُ الأساسيّةُ التي قادتْ عملَ المؤلف هي إقامـةُ الصِّلـة بين التركيبة السُّـكّانية لمنطقة عمله (لبنان وسوريا والجزيرة) وبين ظُهـور التشيّع فيها، وقـد نجحَ في ذلك، على الرُّغـم من أنّــه لم يلتفت إلى نقطةٍ منهجيّـةٍ سابقةٍ منطقيّاً، هي بيانُ العلاقةُ بين الحركةِ السُّـكانيّةِ وبين التركيبةِ السُّكانيّة التي وصفها وتـتـبّـعَ تاريخها في أشكالِها ومراحلِها. وإن يكُن قـــد أشار إشاراتٍ سريعة إلى العلاقة بين الهجرات الإسلاميّة الكثيفة خصوصاً إلى السواحل الشاميّة، وبين امتلاء الشام سكانياً، لقـد كان بيانُ تلك العلاقـة المُفترضَـة نقطةً ضروريّةً جــدّاً، هي التي قادتْ عملنا في كتابنا (التأسيس لتاريخ الشيعة في لبنان وسورية)، وإلا سيكون علينا أن نقـبلَ أنّ التشيّع وأنّ تلك الجماعات التي حملت لواءَه أصيلةٌ في المنطقة، ولم تحمله إليه حركاتٌ سُـكّانيّةٌ قادمـةٌ إليه من خارجـه، وهـذه فكرةٌ غير سـديدةٍ بالتأكيـد.
هذا المحتوى مخفي
جميع خدماتنا مجانية .. يرجى دعمنا والمشاركة علي إحدى مواقع التواصل الإجتماعي
أو انتظر 10 ثانية لظهور المحتوى