7 مصابيح جديدة لقرآنك في رمضان

 

يا بني اقرأ القرآن وكأنه يتنزل عليك.

كانت هذه العبارة الشهيرة هي أثمن ما سمعه المفكر والشاعر الهندي الكبير «محمد إقبال» من والده، رغم أن العربية بالنسبة لهما لم تكن لغتهما الأم على كل حال، ولكن شعور الرجل الذي يريد أن ينقله لفتاه هو أن يستشعر من كل قلبه أن هذا الكلام الذي يقرؤه له من دون الناس، أن يتمثل «لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَٰبًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ» تمثلًا كاملًا، فيشعر بما شعر به الأولون.

لكن أنَّى لنا أن نشعر بما شعر به الأولون ونحن أصبحنا أعاجم أيضًا عن القرآن، فلغتنا الأم لم تعد العربية التي أنزل بها القرآن، وتلك الأخيرة أصبح تعلمها صعبًا، وممارستها –لتكون سجية–  نادرة، وكل جيل تنحسر عنه رويدًا رويدًا!

وفي كل عام قُبيل الشهر الذي تنزل فيه هذا الكتاب يشعر كل امرئ منا بأنه يريد أن يقرأ القرآن بغير الوجه الذي قرأه به آخر مرة، لكن هذا الشعور يتسرب مع الأيام الأول فتصبح الختمة كختمات سابقة، لذا كان لا بد من مصابيح جديدة، تضيء لنا في القرآن وتجلو من آياته، فنشعر به جديدًا في أنفسنا، وهذه الجدة قد نجد شيئًا منها في التفاسير الطوال التي أيضًا قد ننشط في قراءة أول خمسين صفحة من أحدها، ثم تهبط هممنا فلا نكمل، وقد نرغب في أن يتكشف لنا أحد جوانب القرآن التي نشعر بها في أنفسنا، ولكن نود الاقتراب منها أكثر، كتذوقنا لبلاغته وحلاوته، أو رغبتنا في أن يُرقِّق قلوبنا أكثر، أو انشغالنا بأسئلة عقلية ومنطقية عن سوره وآياته وتنزيله رغبنا لو قر قرار عقلنا على أجوبتها، أو تشتتنا في أغراض السور ورغبتنا لو جمعت علينا في باب أو اثنين حتى ينتظم خيطها أمام أعيننا، فلكل هذه الأغراض اخترنا سبعة كتب معاصرة، قريبة اللغة منا، تتباعد إلى مائة سنة قبل اليوم وتقترب حتى عامنا هذا، علها تكون مصابيح جديدة لنا في رحلتنا مع كتاب الله في شهر التنزيل.

1. إعجاز القرآن للرافعي (1880–1937)

إذا أردنا أن نفتتح هذه الكوكبة من الكتب، فقبل قرن من الزمان صدر الجزء الثاني من السفر الضخم «تاريخ آداب العرب»، ذلك الثلاثيني الذي عرفته الأوساط الأدبية في مصر والعالم العربي آخر 10 سنوات شاعرًا مجيدًا، ها هو الآن الشاب «مصطفى صادق الرافعي» واثقًا من خطواته في النثر الفني يسطر هذه الموسوعة، ويحدث جزؤه الأول فيها صدًى واسعًا ما زال رجعه يتردد، أما الجزء الثاني فقد تلقاه الناس بالقبول حتى صدرت له طبعة خاصة باسم «إعجاز القرآن والسنة النبوية»، حتى تجد سعد زغلول أكبر سياسي في البلاد يقدم الكتاب بقوله: «تنزيل من التنزيل، أو قبس من نور الذكر الحكيم»، وتجد «يعقوب صروف» شيخ المجلات العربية وصاحب المقتطف يقول فيه: «يجب على كل مسلم عنده نسخة من القرآن، أن يكون عنده نسخة من هذا الكتاب»، أما عندما تتقدم بعض الورقات لاستعراض الكتاب في بدايته فتجدها بتوقيع الشيخ «محمد رشيد رضا».

فهو كتاب ليس في إعجاز القرآن فحسب، وإنما في وصفه وصفه، في لغته وأحرفه، في جمعه ونشره، وفي كل ما يتصل به وصولًا إلى الإعجاز، وعندما وصل إلى الإعجاز فإنه بدأ بذكر تاريخ الكلام فيه من مذاهب وفرق، ثم انتصر لمذهب «عبد القاهر الجرجاني» ونظرية النظم الشهرية له، ثم شرع في تتبع الإعجاز في الأصوات والحروف ثم الكلمات والألفاظ وحتى الجمل والعبارات، أحيانًا يُبيِّن المنهج ثم يدعك تستدعي الآيات وتطبق، وأحيانًا أخرى يسقيك ولا يرويك من بعض الآي التي توضح وجه الكلام وتشي بمراميه.

عندما بدأ الرافعي الكتاب وضع في صدره هذه الأسطر الموشاة «آيات منزلة من حول العرش، فالأرض بها سماء هي منها كواكب، بل الجند الإلهي قد نشر له من الفضيلة علم وانضوت إليه من الأرواح مواكب، أغلقت دونه القلوب فاقتحم أقفالها، وامتنعت عليها أعراف الضمائر فابتز أنفالها».

وهي كما ترى وكما رأى سعد زغلول، تنزيل من التنزيل، فلغة الرافعي كما عهدناها تنضح بالتناص مع القرآن والحديث، فالشعر والنثر كلما أوغل وكان عند العرب تليدًا، ولذا فالكتاب يُنصح به للقارئ الذي يريد أن يقترب من القرآن في مجمل قضاياه وعلومه دون أن يقرأ في كل صنف وفن كتبًا مدرسية، أما القارئ الذي يبتغي أن يرقق قلبه بالقرآن، أو أن يقترب من لفظه أو معناه فليس في هذا الكتاب ما يرتوي منه، على مكانته وما سبق من فضله.

2. التصوير الفني في القرآن، سيد قطب (1906–1966)

رغم أن التصوير الفني في القرآن كان يبحث عن نفس مسألة الرافعي، وهي مسألة الإعجاز، فإن منهج التصوير الفني يختلف جذريًّا مع الإعجاز، بل ربما مع أى كتاب يتناول القرآن كُتب من قبل، هذا الاختلاف لم يبدأ من المنهج أو الوجهة أو أساليب النظر، إنما بدأ من أول كلمة فيه، من الإهداء:

إليك يا أماه، أرفع هذا الكتاب. لطالما تسمعت من وراء (الشيش) في القرية، للقراء يرتلون في دارنا القرآن، طوال شهر رمضان. وأنا معك -أحاول أن ألغو كالأطفال- فتردني منك إشارة حازمة، وهمسة حاسمة؛ فأنصت معك إلى الترتيل، وتشرب نفسي موسيقاه. وإن لم أفهم بعد معناه.

بعد هذه الافتتاحية الحية الماثلة أمامك، والتي تجعلك تتصور تلك السيدة التي ترهف سمعها لتستمع إلى أصوات المقرئين، وابنها الصبي يلهو تارة فيتشاغل، ثم يدنو فيتشرب، بعد هذه الافتتاحية يوضح سيد قطب أن ما درسه عن القرآن من الأوجه النحوية والمسائل الكلامية وحتى الجوانب البلاغية، كل هذا جعل تلك الموسيقى التي كان يشعر بها في حسه تتشوش، وأثرها في نفسه يتوارى، حتى كادت جذوة القرآن أن تختفي على الجملة إلا من بعض الومضات أوأرها ذلك الرجل مرة أخرى، الجرجاني في «دلائل الإعجاز»، وشذرات من تفسير الزمخشري في كشافه، وحتى هذه الإشارات لم تكتمل، أو بعبارته في الجرجاني «لقد كان النبع منه على ضربة معول فلم يضربها».

إذن ما الذي يحاول قطب –في أول حالة عبور لديه من الأدب إلى الكتابة الإسلامية– أن يطبعه في عقل وقلب كل قارئ إذا ما طالع كتابه المركز هذا -والذي يعتبر كل عارف بقطب أنه المادة الخام للظلال– الذي يحاول أن يصنعه بك هو ما صنعه بنفسه، الرحلة التي قطعها ووجد الإجابة، فهو يقول:

لقد كان القرآن جميلًا في نفسي، نعم. ولكن جماله كان أجزاء وتفاريق. أما اليوم فهو عندي جملة موحدة، تقوم على قاعدة خاصة، قاعدة فيها التناسق العجيب، ما لم أكن أحلم من قبل به، وما لا أظن أحدًا تصوره.

فمن المعاني الذهنية المجردة التي يخرجها القرآن في صور حسية مشاهدة، إلى الأمثال القصصية المليئة بالتصوير المسرحي في طول القرآن وعرضه، إلى المشاهد الكاملة للغيبيات، من قيامة وجنان وسَقر، إلى التناسق الموسيقي في الألفاظ والفواصل، إلى عالم القصص ورسم المشاهد والشخصيات فيما مضى وفيما هو آتٍ، إلى اللوحات الكاملة بالألوان اللفظية الراشحة، كل هذا مع عشرات النماذج من الآيات تلو الآيات تجعل رحلة القارئ في التصوير الفني رحلة لم يسبق لها مثيل.

التصوير الفني، هذه هى القاعدة التي يحاول قطب إثباتها للقرآن جملة واحدة، كل آية وكل سورة هي قصة أو مشهد أو لوحة، ففي القرآن: الصبح يتنفس، والجبال تخشع، الأرض تضيق وتتسع، الجنة تتزين، والجحيم تتسعر، الأنبياء يتنزلون، والقصص تتلى، والمرء يخرج من صفحات الكتاب فيشعر بأن القرآن بين جوانحه يحيا من جديد.

3. النبأ العظيم، محمد عبد الله دراز (1894–1958)

هذا كتاب لشيخ معمم أزهري، وأستاذ حاصل على الدكتوراه من السربون برسالتين إحداهما عن «التعريف بالقرآن» والأخرى عن «دستور الأخلاق في القرآن»، لذا فالكتاب –الذي كان في بدايته محاضرات ألقيت لطلبة كلية الآداب بجامعة القاهرة إلى أن اكتمل عام 1957– يطوف حول العديد من القضايا القرآنية من مدخل عصري يرد فيه على المتشككين في القرآن، ويدفع حججهم، يأتي بما ورد من دفع هذه الحجج في القديم ثم يستطرد فيما طرأ في واقعنا.

والكتاب عندي أجده مُقسمًا إلى ثلاثة أقسام كبرى، قسم في التعريف بالقرآن وإثبات أنه منزل غير بشري لم يأتِ به محمد من عنديته ولا أخذه عن بشر، ثم في رد كل الشبهات الناشئة حوله، ثم قسم أوسط يفجؤك عندما تنسل صفحات الكتاب إليه، فترى نفسك بين فقرات تتحدث عن خصائص القرآن الجمالية، بداية من جماله التوقيعي في توزيع الحركات والسكنات، والمدد والغنات، إلى البيان والفصاحة في قطعة قطعة منه، وفي سورة سورة، وهنا يبدأ القسم الثالث حيث توقف التتابع وبدأ التنزيل على سورة البقرة في بيان وجه إعجازها من حيث كونها سورة كاملة، وهى المحاولة الأولى للتفسير الموضوعي للقرآن الكريم كما سيأتي.

وفي هذا الجزء الأخير، تجد نفسك أمام نمط جديد أيضًا من الكتابة عن القرآن يجيب عن سؤال يجد القارئ نفسه أمامه كلما قرأ، كيف يتم الربط بين الآيات؟ ما علاقة هذه القصة التي انتهت آنفًا، بتلك التي بدأت لتوها؟ هنا يضيء دراز إضاءات كاشفة على الانتقال القرآني السلسل بين موضوعات السورة الواحدة، وينظمها كحبات لؤلؤ في عقد واحد، فتشعر كأنك أمام خريطة كبيرة إذا شردت في أحد جوانبها فإنك لن تتوه كليًّا، بل ستعرف أن هناك شرقًا وغربًا ومبتدًى ومنتهًى، تستطيع معها الحفاظ على الحد الأدنى من استيعابك للآيات مجتمعة.

المدهش في النبأ العظيم أن لغة الدكتور دراز حين تقرأ تجدها منحوتة من لغة القرآن، فتقع على ألفاظ وأساليب تجدها للمرة الأولى في استعمال خارج القرآن، بطريق غير مقحم ولا ملتوٍ، فتشعر بشكل لا واعٍ أنك تقترب من القرآن أكثر، من لفظه وروحه معًا، حتى إذا أتيت على الكتاب كله شعرت أنه يترك أثرًا باقيًا على الآيات والسور حين تقرؤها في كل مرة بعد ذلك.

4. الظاهرة القرآنية، مالك بن بني (1905–1973)

لن تترك الدكتور محمد عبد الله دراز في كتابه النبأ العظيم إلا لتجد مقدمته التي كتبها بالفرنسية لكتاب الظاهرة القرآنية للمفكر الجزائري المعروف «مالك بن نبي»، وهو الكتاب الذي من اسمه يناقش القرآن كـ «ظاهرة» بين «المذهب المادي» و«المذهب الغيبي»، ويتحدث عن الرسالة من مدخل «الحركة النبوية»، ويقارن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بأحد أنبياء بني إسرائيل (أرمياء)، ويقابل قصة سيدنا يوسف في القرآن بالقصة نفسها في الكتاب المقدس.

أي أنه هنا ينطلق من هم مختلف تمامًا، فابن نبي كمسلم يضع أفكاره بالفرنسية في مجتمع بعيد عن البيئة العربية نسبيًّا، يبدأ من أسئلة استشراقية وينتهي بأجوبة من أروقة المعاهد الأكاديمية الغربية على الأغلب، محاولًا النفاذ إلى عميق الظاهرة القرآنية كمسلم معاصر يؤمن بالقرآن نصًّا مُعجِزًا في لفظه ومعناه.

إلا أن في الكتاب أيضًا ما يُعد كتابًا وحده، ألا وهو مقدمة الطبعة العربية للأستاذ «محمود محمد شاكر» وهي المقدمة التي كتبت بعنوان «فصل في إعجاز القرآن»، هذا الفصل يأخذ بأنفاس قارئه أخذًا، ويبدأ هذا الكتاب بمسألة أهم من التي طرحها الكتاب في نظري: ما الذي يجعل العقل المعاصر يسأل عن سؤال الإعجاز؟ أو ما الذي جعل تأثير القرآن في وجدان المسلم خافتًا؟ هل أثر الآيات التي تليت على عمر بن الخطاب فرق قلبه وأسلم، أو التي تليت على الوليد بن المغيرة فانخلعت نفسه وأعرض، هل أثرها نفسه مستمر على من يتلقاها اليوم؟ بالطبع لا، فالفارق أن القوم الذين نزلت عليهم الآيات كانوا يعرفون موضع هذا الكلام المنزل من لغتهم، ويعرفون موضوعه من أعلى طبقة في لغتهم وهي الشعر الجاهلي، أما اليوم فلا مقياس ولا ميزان يجعل النفوس تتقبل الوحي المعجز كما تقبلوه ساعتئذ.

ولذا فإن هذه المقدمة الطويلة هي فصل في الشعر الجاهلي وعلاقته بفهم القرآن والاقتراب منه، وبالطبع الرد على فرية انتحاله عند طه حسين، الذي يرى أنها تؤدي مباشرة إلى نقض القرآن نفسه، وإن فقرة من هذه المقدمة شعرت فيها أنها تخرج من كبد أبي فهر الحرى على هذا التراث المضيع، حيث يقول:

ولقد شغلني (إعجاز القرآن) كما شغل العقل الحديث، ولكن شغلني أيضًا هذا (الشعر الجاهلي)، وشغلني أصحابه فأدى بي طول الاختبار والامتحان والمدارسة إلى هذا المذهب الذي ذهبت إليه، حتى صار عندي دليلًا كافيًا على صحته وثبوته. فأصحابه الذين ذهبوا ودرجوا وتبددت في الثرى أعيانهم، رأيتهم في هذا الشعر أحياءً يغدون ويروحون، رأيت شابهم ينزو به جهله، وشيخهم تدلف به حكمته، ورأيت راضيهم يستنير وجهه حتى يشرق، وغاضبهم تربد سحنته حتى تظلم، ورأيت الرجل وصديقه، والرجل وصاحبته، والرجل الطريد ليس معه أحد، ورأيت الفارس على جواده، والعادي على رجليه، ورأيت الجماعات في مبداهم ومحضرهم، فسمعت غزل عشاقهم، ودلال فتياتهم، ولاحت لي نيرانهم وهم يصطلون، وسمعت أنين باكيهم وهم للفراق مزمعون؛ كل ذلك رأيته وسمعته من خلال ألفاظ هذا الشعر، حتى سمعت في لفظ الشعر همس الهامس وبُحة المستكين، وزفرة الواجد وصرخة الفزع، وحتى مثلوا بشعرهم نصب عيني، كأني لم أفقدهم طرفة عين، ولم أفقد منازلهم ومعاهدهم، ولم تغب عني مذاهبهم في الأرض، ولا مما أحسوا ووجدوا، ولا مما سمعوا وأدركوا، ولا مما قاسوا وعانوا، ولا خفي عني شيء مما يكون به الحي حيًّا في هذه الأرض التي بقيت في التاريخ معروفة باسم (جزيرة العرب).

5. نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم، محمد الغزالي (1917–1996)

من الغبطة أن يختتم رجل مثل الشيخ محمد الغزالي رحلته الدعوية بهذا الكتاب الذي قدم لمنهجه نماذج عديدة في كتابات سابقة له، حتى إذا انعقد عزمه على أن يطبق هذا المنهج على القرآن الكريم كاملًا مد الله في عمره وأعانه بحوله حتى بلغ غايته، ثم كان هذا آخر ما ألَّف وكتب، لذا فالكتاب يحمل في كلماته خلاصة وعصارة فكرة الغزالي الدعوية عبر نصف قرن تقريبًا.

في مقدمة الكتاب القصيرة يثبت الغزالي أنه يعنى عناية شديدة بوحدة الموضوع في السورة، وإن كثرت قضاياها وأنه قد تأسى «في ذلك بالشيخ محمد عبد الله دراز عندما تناول سورة البقرة، فجعل منها باقة ملونة نضيدة، يعرف ذلك من قرأ كتابه (النبأ العظيم) وهو أول تفسير موضوعي لسورة كاملة، فيما أعتقد».

لغة الكتاب جاءت كعهد الغزالي في كتبه، يقف عند آي الاستخلاف وضرب الأمثال بالأمم السابقة وقوف داعية مهموم، وتحتد كلماته عند آي الوعيد للكافرين والظالمين والوالغين في حدود الله كأنها قذائف الحق، ويهدأ عند آي التزكية والتحلية والرقائق يجدد بها حياة المسلم لآخرته، وفي كل هذا يجعل من مضامين السورة الواحدة جملة مكتملة يعطف أولها على آخرها، وتشرق مختتمها بسنا مفتتحها، ويكفي أن هذا الرجل قد صحب القرآن كل هاتيك السنين وشعر أن المسلمين بحاجة لذلك حيث يقول:

وقد شعرت –على ضوء ما أحسست من نفسي– أن المسلمين بحاجة إلى هذا اللون من التفسير! كيف؟ لقد صحبت القرآن منذ طفولتي، وحفظته في العاشرة، وما زلت أقرؤه وأنا في العقد الثامن من العمر… بدا لي أن ما أقبس من معانيه قليل، وأن وعيي لا يتجاوز المعاني القريبة والجمل المرددة، فقلت: إني ما قضيت حق التدبر فيه كما أمر منزله العظيم!

وهو في ذلك قد أوجز بدون إطناب في التفسير والتوضيح لكل المضامين في السورة الواحدة، بل جمع وضم المعاني إلى بعضها، وترك للقارئ القياس على بقية الآيات التي قد يجدها لم يتم النص عليها، وهو ما يجعل قراءته بالتزامن مع كل سورة تُقرأ في ختمة من ختمات المصحف شيئًا ميسورًا وعونًا على الغوص فيه والتدبر.

6. القرآن نسخة شخصية، أحمد خيري العمري

في كتابه «المحاور الخمسة للقرآن الكريم» خلص الشيخ محمد الغزالي بأن كل القرآن يدور حول:

وحدانية الله.

الكون الدال على خلقه.

القصص القرآني وما فيها من عبر.

البعث والجزاء.

ميدان التربية والتشريع.

أما أحمد خيري العمري كاتبنا المعاصر، فإنه يختصرها إلى ثلاثة، ثلاثة عناصر أساسية يدور القرآن حولها:

صفات الله وقدرته وخلقه لنا وللموجودات.

رسالته للبشر عبر الكتب والرسل.

البعث والحساب والجزاء.

وفي هذا الكتاب -الذي كان في بدايته مجموعة منشورات يومية عبر فيسبوك عن القرآن في رمضان تحت وسم #القرآن_360_درجة– يقرر العمري أن ما هو مُقدِم عليه ليس تفسيرًا بأى شكل من الأشكال ولا مبحثًا من مباحث علوم القرآن، وإنما هو هوامش أو خواطر شخصية على سور القرآن الكريم، والطبعة التي صدرت بين أيدينا هذا العام تنتهي عند سورة الحديد، حيث فضل الكاتب عدم إطالة الكتاب أكثر من هذا.

لكن هذه الخواطر أو الهوامش تأخذ أيضًا شكل التفسير الموضوعي، ولكنه شكل يمثل الصيحة الأخيرة، إذ هو يأتي بمعانٍ ومفاهيم تنتمي لتطوير الذات ومعرفة النفس ومهارات الحياة بشكل عام، ثم يأخذ بتطبيقها على السورة كاملة ويضرب الأمثال لآيات متفرقة فيها، فسورة البقرة مثلًا تتحدث عن «الصراع المرير مع الأمر الواقع المر» هكذا يكون تناول بني إسرائيل وقصص السورة عنهم مثلًا، وفي آل عمران نحن نتحدث عن «جبر الخواطر المكسورة» من جبر خاطر امرأة عمران في ابنتها مريم، إلى جبر خاطر المسلمين بعد هزيمة أحد، أما سورة المائدة مثلًا فهي تتحدث عن «الحياة بلا تجميل ولا فوتوشوب»، وهكذا إلى سورة الحديد.

وهو كتاب بلغة منشورات اليوم على الفيسبوك، فتجده قريبًا من اليافعة إذا رغبوا في أخذ معانٍ قريبة من الحياة على شكل آيات من القرآن تقربهم بها إليه في شهر كهذا، فكاتبه قد أهداه لقارئ مجهول «يشعر أن هذا الكتاب كتب له خصيصًا».


كتب PDF ، كتب و روايات PDF ، أفضل تجميعات الكتب، كتب عالمية مترجمة ، أحدث الروايات و الكتب العربية ،أفضل ترشيحات الكتب و الروايات، روايات و كتب عالمية مترجمة.